
أبدى عدد من الصحفيين والإعلاميين تفاؤلهم بالخطوات الحثيثة التي تبذلها هيئة الصحفيين السعوديين منذ انطلاقة عهدها الجديد، حيث يلمس كثيرون في هذه الجهود محاولات جادة لإعادة بناء الثقة وتعزيز حضور الهيئة كمؤسسة مهنية فاعلة في المشهد الإعلامي ويأمل العاملون في الوسط الصحفي أن تسهم هذه الانطلاقة في تحقيق تطلعاتهم، وتقديم خدمات أكثر عمقًا وفاعلية، تستجيب لمتغيرات المهنة وتحدياتها المتسارعة، وتعزز من مكانة الصحفي السعودي داخل الوطن وخارجه. ورغم هذا التفاؤل، لا تزال آراء الإعلاميين متباينة حول أداء الهيئة في مراحلها السابقة، وما إذا كانت قد نجحت فعلًا في أن تكون مظلة حقيقية للصحفيين تدافع عن حقوقهم وتدعم تطورهم المهني. البعض يرى أنها بذلت جهودًا تستحق التقدير، في حين يرى آخرون أن ما تحقق حتى الآن لا يرقى لحجم التحديات ولا يوازي الطموحات. وفي هذا التحقيق، نستعرض طيفًا واسعًا من الرؤى والمقترحات التي عبّر عنها صحفيون وإعلاميون من مختلف مناطق المملكة، ما بين دعم مشروط، وانتقاد بنّاء، ودعوات صريحة لإصلاحات هيكلية تُمكِّن الهيئة من لعب دورها المنتظر بكفاءة واستقلالية. في البداية تحدث بخيت الزهراني سكرتير تحرير صحيفة البلاد ومجلة إقرأ سابقا قائلا: أكاد أجزم أن هيئة الصحفيين السعوديين منذ تأسيسها حتى الآن يسعى القائمون عليها على تحقيق رؤيتها وأهدافها الاستراتيجية في خدمة منسوبيها ومنسوباتها من الإعلاميين والإعلاميات ٠ويضيف الزهراني أن لا أحد يتولى مسؤولية مجتمعية إلا والنجاح كان هو هدفه ومقصده ولكن التحدي يكمن في تلبية متطلبات رؤية هذه الهيئة التي رسمتها لنفسها وما انبثق عنها من أهداف محددة محورها الصحفي والإعلامي بشكل عام. وبالطبع تحتاج تلك الأهداف إلى خطوات إجرائية تسهم في تحقيق كل هدف على أن تكون مصحوبة بحوكمة رقمية مجدولة زمنيا لقياس كل خطوة بنجاح أو تعثر بشفافية ودقة٠ ويختتم الزهراني قائلا: إننا نتطلع للمزيد من برامج رفع كفايات الزملاء في الميدان والإفادة إن أمكن من قدامى الإعلاميين كبيوت خبرة٠ مميزات الهيئة. يرى عبدالله الشريف، نائب رئيس تحرير صحيفة المدينة، أن الحاجة إلى هيئة الصحفيين السعوديين كانت وما تزال ماسة، إلا أن ما تحقق على أرض الواقع لم يواكب تلك التطلعات. وتابع الشريف: “كنت من أوائل المشاركين في دعم تأسيس الهيئة، وكتبت كثيرًا لأجل الموافقة على إنشائها.” ويضيف: “كنت عضوًا في جمعية الصحفيين الكويتية قبل ثلاثين عامًا، وهناك وجدت أن الجمعية تقف مع الصحفي في محنته، تحضر معه جلسات التحقيق، وتدعمه حتى يعود إلى عمله ويأخذ حقوقه.” ويطرح الشريف مقترحًا عمليًا: “لماذا لا تسعى الهيئة لعقد اتفاقات مع شركات الطيران والمستشفيات والأسواق التجارية لمنح خصومات لأعضائها؟ فالصحفي، بعد تقاعده، يفقد الكثير من المميزات، وهنا يجب أن يكون للهيئة دور داعم حقيقي.” ويختم الشريف حديثه بنبرة صريحة: “نريد هيئة تدعم الإعلامي السعودي في كل محفل. حتى في المؤتمرات، غالبًا ما يغيب الصحفي السعودي. إن دور الهيئة أكبر بكثير مما هو عليه الآن. صمام أمان. ويقول أحمد صالح حلبي، مدير تحرير صحيفة الندوة سابقًا، إن كثيرًا من الصحفيين السعوديين، خصوصًا المتفرغين منهم، اعتقدوا عند تأسيس هيئة الصحفيين قبل أكثر من عشرين عامًا أنها ستكون صمام أمان يحميهم. ويضيف: “اليوم، ومع دخول أسماء جديدة إلى مجلس الإدارة، نأمل أن تعاد هيكلة الهيئة وضخ دماء شابة في فروعها، فليس من المعقول أن يظل ممثل الهيئة في منطقة ما في منصبه منذ تأسيسها.” ويختتم بتساؤل مهم: “أين وصل صندوق دعم الإعلاميين الذي أُعلن عنه مطلع هذا العام؟ هل اكتملت إجراءات تسجيله؟ ومتى يبدأ العمل به؟ نخشى أن تنقضي الدورة الحالية دون أن يرى النور». جدية الأعضاء. ومن جهته يقول الصحافي معتوق الشريف: لاشك ان هناك مؤشرات لتفعيل مؤسسات المجتمع المدني وهذا التفعيل يعود في. رأيي لمدى جدية ومهارة المكلفين بالهيئة وكذلك مدى جدية الاعضاء في ايجاد مظلة للمساهمة في التنمية المستدامة للوطن نقابة الصحفيين. أما سلامة بن عبد العزيز الزيد مدير إذاعة جدة سابقا٠ فقال ٠أنه حتى هذه اللحظة من عمر الهيئة لا أدرك أهدافها في ظل تواري الصحافة الورقية وهي بالتأكيد لم تحقق فعلا ملموسا في زمن الصحافة الورقية ٠ ويضيف الزيد : «يفترض على الهيئة أن تكون موازية لنقابة الصحفيين وتقدم دورا وطنيا فاعلا يخدم المنتمين لبلاط صاحبة الجلالة وحضورا قويا في المحافل يعكس قيمة الصحفي السعودي» ٠ويقترح الزيد: «لو غيرت مسماها من هيئة الصحفيين السعوديين إلى هيئة الإعلاميين السعوديين حتى تتمكن من ضم مختلف الشرائح الإعلامية وتخدم قطاعا أكبر من الإعلاميين وفق مهنية وحرفية الإعلام وأعتقد أن ذلك سيكون له فعل ودور أكبر في خدمة الوطن»٠ تساؤلات تبحث عن إجابة ويقول علي بن يحيى بالقرون الزهراني، نائب رئيس تحرير صحيفة الندوة سابقًا، إن الإعلان عن تأسيس هيئة الصحفيين كان لحظة فرح حقيقية للوسط الصحفي، حيث تعلق الجميع بآمال كبيرة تجاه كيان رسمي يمنح الصحفيين مرجعية تحميهم وتدافع عن حقوقهم. ويتابع: “كنا ننتظر كيانًا فاعلًا يتجاوز الرمزية، ويمنح الصحفيين مظلة حقيقية من الرعاية والمساندة. لكن مع مرور السنين، بدا أن تطلعاتنا كانت أكبر من واقع الهيئة، التي ظل حضورها محدودًا، باستثناء بعض المحاولات الفردية التي لم تمس صلب الأهداف الأساسية.” ويشير الزهراني إلى أن جزءًا من المشكلة قد يعود لعوامل داخلية في الهيئة نفسها، لكنه يرى أن هناك جملة من التساؤلات المحورية التي يمكن أن تفتح باب التقييم الجاد، منها: هل لدى الهيئة هيكلة إدارية رسمية ومتفرغة في المركز والفروع؟ وهل تملك مقرات واضحة؟ وهل لديها ميزانية معتمدة؟ وهل تعمل وفق استراتيجية أو برامج وخطط معتمدة من جهة رسمية؟ وأخيرا هل هناك ارتباط تنظيمي وإجرائي وقانوني فعلي مع جهات أخرى لصالح الصحفيين؟ ويختم الزهراني بقوله: “الإجابة على هذه الأسئلة من شأنها أن تقدم مؤشرات حقيقية على مدى نجاح الهيئة، أو حاجتها إلى إعادة مراجعة شاملة. كيان مهني كبير. ترى الكاتبة والقاصة ابتسام عبدالله البقمي أن هيئة الصحفيين السعوديين، بعد مرور عقدين على تأسيسها، قطعت شوطًا مهمًا في ترسيخ كيان مهني يُعبّر عن الصحفيين ويدافع عن حقوقهم، خاصة في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة في إطار رؤية 2030. وتقول البقمي: “لقد بدأت الهيئة تخرج من عباءتها التقليدية إلى آفاق أرحب، مستفيدة من مناخ التمكين الذي أتاحته الرؤية لكل الكيانات الوطنية الساعية نحو التطوير.” وتؤكد أن الصحفي السعودي، بوصفه شاهدًا على تحولات الوطن ومرافقًا لمسيرته التنموية، يحتاج إلى هيئة لا تكتفي بالدور الإشرافي، بل تمارس دعمًا وتمكينًا حقيقيًا، خاصة في ظل التحديات المهنية والتقنية والأمنية المتسارعة: “الصحفي اليوم يحتاج إلى مظلة مؤسسية مرنة تستجيب لهمومه، وتدافع عن استقلاله، وتوفر له أدوات التطوير المستمر في زمن تحكمه السرعة والتأثير والرقمنة.” وتختتم البقمي حديثها بدعوة طموحة للهيئة في عهدها الجديد: “نأمل أن تعزز الهيئة حضورها كمؤسسة فاعلة وشجاعة، تحمي حرية التعبير المسؤولة، وتستثمر في الأجيال الشابة، خصوصًا في مجالات الصحافة الثقافية والإبداعية التي تحتاج إلى دعم مؤسسي حقيقي. فالإعلام لم يعد ناقلًا فحسب، بل شريك في صياغة الوعي الجمعي، ولن تكتمل مسيرة النهضة إلا بصحافة حرة، نزيهة، ومُمكنة. البنية المظهرية. يرى الكاتب الصحفي زيد الفضيل أن هيئة الصحفيين، رغم أهمية وظيفتها كمؤسسة جامعة للعاملين في القطاع الإعلامي، فإنها لم تكن حاضرة بشكل فاعل منذ تأسيسها حتى اليوم، ويُرجع ذلك إلى ما أسماه “البنية المظهرية” التي رافقت نشأتها. ويوضح الفضيل: “الهيئة لم تتشكّل نتيجة حاجة حقيقية، بل جاءت كصورة وظيفية، تولى قيادتها مسؤولون من كبريات الصحف، دون أن يكون لها توجه واضح نحو التطوير المهني أو تدريب الصحفيين.” ويؤكد أن الهيئة فشلت في أداء دورها الاستشرافي في مواجهة الأزمات، لا سيما أزمة الصحف الورقية في ظل صعود وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفًا: “لم تبادر لتقديم رؤى تطويرية تُعزز العلاقة بين المؤسسات الصحفية والجهات الرسمية. ونتيجة لذلك، تراجع مضمون الهيئة، وأصابها الجمود.” ويختم الفضيل حديثه بنداء لإصلاح جذري: “على الهيئة اليوم أن تراجع إخفاقات الماضي، وتحافظ على ما تبقى من الصحافة، وتؤسس لرؤية جديدة تركّز على حماية المهنة، وتدريب الكفاءات، وتطوير مهارات الصحافة الاستقصائية. والأهم، أن تتجنب مجددًا الوقوع في فخ الشللية، التي كانت – وستبقى – العدو الأول لكل عمل مهني جاد.” أهداف الهيئة ويتحدث الصحافي والتربوي خالد محمد الحسيني بنبرة نقدية هادئة، مستعرضًا ما وصفه بتفاوت كبير بين أهداف الهيئة المعلنة عند التأسيس وواقعها الحالي. ويقول الحسيني: “كنت قريبًا من بدايات الهيئة، وشاركت في بعض مجالسها، لكني لم ألمس تفاعلاً حقيقيًا على أرض الواقع، بل توصيات ولقاءات لا تتجاوز الأطر الشكلية.” ويستعرض الحسيني عددًا من أهداف الهيئة كما وردت عند التأسيس، مثل الارتقاء بالمهنة، والدفاع عن حقوق الصحفيين، وتمثيلهم محليًا ودوليًا، ويعلق عليها بالقول: “هذه أهداف نبيلة، لكن أين تطبيقها؟ خاصة ما يتعلق بحماية الصحفيين من الضغوط. ويختم الحسيني بنبرة متفائلة رغم كل ما سبق: “أتمنى أن يعالج المجلس الجديد كثيرًا من هذه المعاناة، ويمنح الصحفي مظلة حقيقية يستند إليها. بعد تجارب غير مجدية، لعلّ القادم يضيء شيئًا من الأمل.”