خلال كلمته في افتتاح منتدى السلام العالمي ..
«زمن الوحوش»: تركي الفيصل يحذر من تداعيات انهيار النظام العالمي.

ألقى صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، كلمة رئيسة في افتتاح أعمال منتدى السلام العالمي الثالث عشر الذي انعقد في جامعة تشنغهوا بالعاصمة الصينية بكين، يوم الخميس 8 من المحرم 1447هـ، الموافق 3 يوليو 2025م، تحت عنوان «النظام العالمي: إلى أين؟»، في إطار محور المنتدى هذا العام: «دفع السلام والازدهار العالميين: مسؤولية ومصلحة وإنجاز مشترك». في مستهلّ كلمته، عبّر سموه عن شكره للجهات المنظمة، وعلى رأسها جامعة تشنغهوا والمعهد الصيني لشؤون الخارجية الشعبية، مُشِيدًا بأهمية الموضوع المطروح في ظل ما وصفه بواقع عالمي قاتم، تتهاوى فيه مرتكزات النظام الدولي القديم دون أن يُولد نظام جديد عادل وفعّال. واستحضر الأمير تركي الفيصل مقولة المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي: «الآن هو زمن الوحوش»، مُعرِبًا عن قلقه من أننا نعيش اليوم مرحلة مشابهة، تتجلى فيها انتهاكات جسيمة للقانون الدولي والأعراف والمواثيق، وانهيار واضح لمؤسسات النظام الليبرالي الدولي الذي تَشَكَّلَ بعد الحرب العالمية الثانية. ورأى أن الحروب الجارية، مثل: الحرب الإسرائيلية على غزة، والحرب الروسية الأوكرانية، والاعتداءات المتكررة على فلسطين ولبنان وسوريا وإيران، تُشكِّل دليلًا صارخًا على تفكك هذا النظام. وأكد سموُّه ضرورةَ التعاونِ بين جميع دول العالم لمواجهة المخاطر التي تفرضها هذه المرحلة الانتقالية الحساسة. ودعا إلى تجاوز العلاقات الثنائية التقليدية، خصوصًا بين الصين ودول الشرق الأوسط، نحو تعاون أوسع يأخذ في الحُسبان التغيرات الجيوسياسية العميقة. وشدد على أهمية أن تكون هذه الدول أصواتًا للحكمة، وقوى تأثير فاعلة تطرح حلولًا لقضايا محورية، وعلى رأسها استقرار المنطقة وحل القضية الفلسطينية، والحد من الانفلات الإسرائيلي في المنطقة. وأضاف سموه: «العالم لا يحتاج إلى حرب عالمية جديدة ليؤسس نظامًا عالميًّا جديدًا»، مشيرًا إلى أن التقدّم الإنساني، والوعي بالمصير المشترك، والنجاحات التي تحققت خلال العقود الماضية في معالجة القضايا الإنسانية؛ كلّها تُحتِّم علينا السعي إلى إصلاح جادّ لمنظومة الأمم المتحدة، التي باتت تمثل صورة مترهلة للنظام الدولي المتداعي. وأوضح أن إصلاح هذه المنظومة لا يعني فقط تعديل بعض الإجراءات، بل يشمل إعادة هيكلة جميع أجهزتها الأساسية، وعلى رأسها مجلس الأمن. واستعرض سموه نماذج سابقة من توصيات الأمم المتحدة ذاتها بشأن توسيع عضوية المجلس، مشيرًا إلى أنها قُوبِلَت بالإهمال من قِبل الدول دائمة العضوية. وأكد أن هذه العرقلة تُعَدُّ استهتارًا بمصير العالم، وتُسهِم في استمرار الحروب والنزاعات بدلًا من تفاديها. وتَوَقَّفَ الأمير تركي الفيصل عند مسألة تعددية الأقطاب، مُحَذِّرًا من أن التعددية لن تكون علاجًا إذا ما بقيت من دون قواعد واضحة تُنظِّم العلاقات الدولية، وتحفظ السلم والاستقرار. وشدد على أن الجنوب العالمي -وفي مقدمته الصين- ينبغي أن يلعب دورًا محوريًّا في صياغة النظام المُقبِل، على نحو عادل وشامل، يعكس موازين القوى الجديدة، ويمنع استمرار الهيمنة الأحادية أو الثنائية على المسرح الدولي. وفي تناوله لقضايا الشرق الأوسط، وصف سموه الوضع في المنطقة بأنه مأساوي، ومستمر منذ نحو ثمانية عقود؛ من كارثة إلى أخرى، ومن قرار أممي إلى آخر، من دون أن يتحقق أي قدر من العدالة. وأشار إلى أن التناقض الواضح بين شعارات القوى الكبرى وممارساتها يتجلى بوضوح حين يتعلق الأمر بالمنطقة، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية ستظل العامل الأكبر لزعزعة الأمن الإقليمي، ما لم يُحَلّ بطريقة عادلة تأخذ في الحُسبان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير. وانتقد بشدة استخدام حق النقض (الفيتو) من قِبل الدول الكبرى في مجلس الأمن، ولا سيما فيما يتعلق بوقف المذابح في غزة وسوريا والسودان، مؤكدًا أن هذا الاستخدام المسيء بات نمطًا دائمًا في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وهو ما يُقوِّض شرعية المنظومة الدولية. وفي ختام كلمته، أشار الأمير تركي الفيصل إلى أن الصراعات الأخيرة، خصوصًا ما وصفه بـ»رقصة الثلاثي» بين إسرائيل وأميركا وإيران، قد عَاقَتْ -بشكل مؤقَّت- طموحات إيران النووية، لكنها لم تُسهِم في حل جوهري للصراعات الإقليمية. وأكد أن إسرائيل لا تزال قوة احتلال غير شرعي، تُمارِس جرائم إبادة في حق الفلسطينيين، وأن إيران تواصل برنامجها النووي بعيدًا مِن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال: «الانتصارات الوحيدة المتحققة هي انتصارات باهظة الثمن... وما زال القتلُ مستمرًّا. يجب أن يتوقف.»