الإسراف يزدهر في وسائل التواصل الاجتماعي:
تبذير الأموال.. حرية شخصية أم مسؤولية دينية واجتماعية؟

إعداد: سامي التتر انتشرت في الآونة الأخيرة قضية حساسة وهي إنفاق الأموال من قبل بعض أفراد المجتمع الميسورين وتبديدها دون حساب على أمور مادية تافهة بغرض حب الظهور والاستعراض، وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار مثل تلك السلوكيات الخاطئة التي لها دون شك آثار وعواقب وخيمة على المجتمع، فالمال أمانة في يد أصحابه، ويترافق معه مسؤوليات دينية وأخلاقية ومجتمعية، وديننا الحنيف نهانا عن التبذير والإسراف وحثنا على شكر النعم والالتفات للمحتاجين والفقراء والإحسان إليهم، لا العبث بمشاعرهم والتباهي أمامهم ما قد يوغر صدور البعض ويؤثر على اللحمة والنسيج الاجتماعي. وقد أثار زواج ناقة بجمل بمهر قدره ستة عشر مليون ريال عجب وغضب المواطنين وخاصة أولئك الذي تكاد مداخيلهم الشهرية تسد احتياجاتهم اليومية عدا عن المبالغ الفلكية الكبيرة التي يتم بها شراء وبيع الإبل، لذا كان موضوع قضيتنا لهذا العدد هو التبذير والإسراف وحب التباهي وأثره على المجتمع، وكيفية الحد من هذه الظاهرة السلبية التي زاد انتشارها في الآونة الأخيرة، وهل يجب على الدولة سن قوانين وتشريعات للحد من هذه السلوكيات السلبية، وأيضًا إيجاد آليات لرصد مثل هذه المبالغ الفلكية التي يتم تبديدها دون حسيب أو رقيب لشراء لوحات أو أرقام مميزة أو ما شابه ذلك، والنظر في مصدرها للتأكد من قانونيتها. وقد ورد في هذا السياق تغريدتان، أولهما للمهندس عثمان الخويطر، جاء فيها: «كل شيء أستطيع استساغته إلا دفع ثمانية ملايين ريال قيمة لرقم لوحة سيارة، يقولون أنه مميز!! مع أني حاولت أتصفح اللوحة من يمين ومن يسار، ومن فوق ومن تحت، فلم أجد فيها ما يميزها عن أي لوحة أخرى! تصوروا لو صاحب الثمانية ملايين بنى بها مرفق لتغسيل الكِلى، أيهما أكثر فائدة، دنيا وآخرة، إذا أحسن النية وتم قبوله من رب العالمين. اللهم نور قلوبنا بالإيمان ولا تكلنا على أنفسنا طرفة عين.». أما التغريدة الثانية فكانت للأستاذ الدكتور مرزوق بن تنباك، بعنوان «مال الله الذي آتاكم»، وكانت تعقيبًا على ما نشره المهندس الخويطر عبر تغريدته، ومما جاء في تغريدة بن تنباك: «نسمع كثيرا عن بعض تصرفات أهل المال وما ينفقون من أثمان فلكية لشراء ما يعرض للبيع كالابل بمبالغ لا يمكن أن تكون ثمنا مستحقا للسلعة المعروضة، نسمع بيع البعير الواحد بثلاثين مليون وخمسين مليونا وأكثر أو أقل ونسمع من يشتري أرضا بملايين الدراهم وهي لا تسوى جزءا من المليون من القيمة التي قيل إنها بيعت بها ونسمع مثل ذلك وغيره ولا نعرف حقيقة ما نسمع ولهذا لم يتجرأ أحد على مناقشة هذا التضخم الهائل بالأثمان في الصحافة أو غيرها من وسائل التواصل لسبب سهل فهمه وهو أن إثبات صحة ما يقال غير ممكنة، وكنت أظن أن ما يقال في المجالس من قيمة البعير المليونية وقيمة الأراضي الفلكية هو من كلام الليل الذي يمحوه النهار، حتى لفت نظري بتغريدة عارضة المهندس عثمان الخويطر ينتقد بيع لوحة سيارة بقيمة ثمانية ملايين ريال، وهذا ليس كلاما مرسلا فالبائع جهة حكومية مسؤولة وليس كبيع البعير بخمسين مليون أو أكثر أو أقل ولا بيع الأرض الذي يقال أن البائع والمشتري هو نفسه المالك في لعبة كانت معروفة عند أباطرة العقار وسماسرته في زمن مضى. رجعت لماذا ذكر فوجدت الخبر يقول إن لوحة سيارة تحمل الرقم واحد وحروف مقطعة (ص ق ر 1) صقر. ويضيف: « إلى هذا الحد يكون الأمر صحيحا ويكون من المناسب الحديث عن بعض الظواهر الاجتماعية الطارئة وأن منا فئة قليلة تملك من فائض المال ما تستطيع أن تشتري به ما تشاء لكن المال في حقيقته هو مال الله (؟وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ).» ثم كتب الدكتور عبيد العمري أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود معقباً على د. مرزوق قائلاً : مقال الدكتور مرزوق بن تنباك يتناول موضوعًا حساسًا يتعلق باستخدام الثروات بشكل مُسرف أو غير مسؤول، وهو موضوع يلامس جوانب أخلاقية واقتصادية واجتماعية عميقة. يمكن الرد عليه بالنقاط التالية: 1. المال مسؤولية وليس ملكية مطلقة: صحيح أن المال يُعتبر ملكية خاصة للفرد، ولكنه يأتي أيضًا مع مسؤولية اجتماعية ودينية، كما أشار الكاتب في استشهاده بالآية القرآنية. المال هو أمانة في يد صاحبه، ويتطلب توجيهه نحو ما ينفع الفرد والمجتمع، لا ما يثير الاستفزاز أو التفاخر. 2. السرف والمبالغة في الأسعار: شراء الأصول أو السلع بأسعار فلكية، سواء أكانت لوحات سيارات، أو إبل، أو أراضٍ، يثير تساؤلات حول القيم التي تُحكم هذه القرارات. مثل هذه التصرفات قد تُفسَّر أحيانًا بأنها تعكس فجوة بين أصحاب الثروات وبقية المجتمع، ما قد يؤدي إلى استياء أو شعور بعدم العدالة. 3. دور الأنظمة والقوانين: أشار الكاتب إلى أن الأنظمة في العديد من الدول تضع قيودًا أو قوانين لضبط الإنفاق المفرط، مثل الزكاة والضرائب وضوابط على الاحتكار. هذه الإجراءات تهدف إلى خلق توازن بين حقوق الأفراد وواجباتهم تجاه المجتمع. 4. البُعد الاجتماعي والنفسي: الاستعراض المالي، سواء كان في شكل شراء لوحة سيارة بملايين الريالات أو غيرها، قد يُفسَّر كنوع من التباهي الذي يؤثر سلبًا على النسيج الاجتماعي. مثل هذه التصرفات قد تخلق فجوة نفسية واجتماعية بين الأفراد، وتضعف الشعور بالانتماء والتضامن. 5. تعزيز القيم الأخلاقية: من المهم أن يُستثمر المال في مشاريع تُعزز رفاهية المجتمع، مثل بناء المستشفيات، أو دعم برامج التعليم، أو إنشاء مشاريع تنموية. هذه التصرفات لا تعود بالنفع على المجتمع فحسب، بل تمنح أصحاب الثروات دورًا أكثر استدامة واحترامًا. 6. الشفافية والمساءلة: المبالغات المالية تحتاج إلى قدر من الشفافية والمساءلة. يجب أن تكون هناك آليات لرصد مثل هذه المعاملات والتأكد من أنها لا تنطوي على مخالفات أو غسيل أموال. الخلاصة: أن المال أداة يُمكن استخدامها للبناء أو للهدم، والمسؤولية تقع على أصحاب الثروات لاستثمارها بما يحقق الخير لهم ولمجتمعاتهم. في الوقت نفسه، على المجتمع والمؤسسات وضع قوانين وآليات لضمان التوازن بين الحرية الفردية والمسؤولية الجماعية، بما يخلق بيئة اقتصادية واجتماعية أكثر استقرارًا وعدلًا. الانفاق الوهمي تحدث د. علي بن محسن شدادي مؤكدًا أن الشارع والمشرع، وكذلك الثقافة العربية الأصيلة، أوضحت أن الإسراف والتبذير والتفاخر لم تكن يومًا سلوكيات مشجعة أو مرغوبة، بل إن ديننا هو دين اعتدال في كل المناحي، بما في ذلك الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف: «من يعتقد أن الإسراف يندرج تحت بند الكرم ونموذج للبذل والعطاء فهو مخطئ؛ إذ هناك خيط رفيع بين الكرم والإسراف، والتبذير الذي يصل إلى حد التباهي والاستعراض دون مراعاة لمشاعر الآخرين. لقد عززت وسائل التواصل الاجتماعي هذا السلوك السلبي، حتى وصلنا إلى حالة من الإنفاق غير المسؤول والمبالغ فيه، والأدهى أن هذا السلوك لم يعد مقتصرًا على أصحاب الدخل المرتفع فقط، بل امتد ليشمل الطبقة المتوسطة والأقل من المتوسطة، مما أدى إلى ظاهرة «الإنفاق الوهمي»، حيث يتباهى البعض أمام جمهور وسائل التواصل الاجتماعي بإنفاق كاذب، باستخدام الحيل وأشكال الاحتيال للظهور بمظهر الثراء. قد يقول البعض إن هذا سلوك فردي وحرية شخصية، وأن للشخص الحق في التمتع بثروته أو حتى التظاهر بما يشاء، طالما لم يجبر الآخرين على اتباع مسلكه، ولكن هذا يغفل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل سلوك الأفراد والمجتمع بأسره، وهنا تظهر الحاجة الملحة لسن القوانين والتشريعات ووضع الضوابط والإجراءات التي تنظم عمل ودور وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الذي يعرض بداخلها، سواء كان أخلاقيًا أو اجتماعيًا أو سلوكيًا. نحن لسنا بحاجة إلى الانغلاق، بل إلى نموذج يوازن بين الحرية الشخصية ومصلحة المجتمع وأفراده، بحيث نحميهم من سلوكيات بعض العناصر التي تستغل وسائل التواصل الاجتماعي لخداع الناس، وهذا النهج أصبح متبعًا في جميع الدول المتقدمة، حيث سنت قوانين متعددة لحماية أفراد المجتمع من السلوكيات الضارة التي يمارسها البعض من وراء الأجهزة المحمولة، وبعض صناع المحتوى أصبحوا مصابين بهوس وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يبرر لهم كل ما يظهرونه، بل إن بعضهم يعتبر أي حظر اجتماعي أو قانوني ضد هذا المحتوى بمثابة اعتداء على حريتهم وحسدًا على نجاحهم، وهنا تظهر الحاجة الحقيقية للمشرع لوضع حد لهذا السلوك وضبط الإنفاق غير المسؤول أو حتى الوهمي، بما يضمن خلق توازن بين حقوق الأفراد وواجباتهم تجاه المجتمع». كيف كنا وكيف أصبحنا وأوضح أ. عبدالرزاق سعيد حسنين أن الحديث عن التبذير يأخذنا صعودًا إلى قوله تعالى (وكلوا واشوبوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، وقبل الخوض في الإسراف في المأكل والمشرب وكل متطلبات حياتنا، لا بد لنا أن نعود بالزمن إلى عقود من الزمن مضت على هذه البلاد المباركة خاصة، نستذكر فيها أيامًا وليالي كنا نعيش الفقر في زمن لم يكن في قواميسنا كلمة اقتصاد، نتساوى في ذلك مع العديد من الدول المجاورة وغيرها، مع أننا كنا نعيش الكفاف حتى في المأكل والمشرب، بل حتى في شراء ملابسنا وحياكتها، كانت مرتبطة بالأعياد والمناسبات الخاصة، ومع ذلك كنا نعيش القناعة والرضا، إذ الأقدار مكتوبة والرزق معلوم منذ مولدنا بإرادة الله الخالق سبحانه، وبعد أن منّ الله تعالى على هذه البلاد المباركة بالطفرة، بعد ظهور النفط والنقلة النوعية التي عشناها ونعيشها بإزدهار متنامٍ، يرتقي إلى الخطط التنموية التي تسير عليها مملكتنا الحبيبة تحت قيادة ملوك بررة نهجهم الإسلام ومبدأهم الإنسان أولًا، وبفضل الله ظهر ذلك مليًا على رفاهية الحياة التي نعيشها في هذا الزمن الجميل، نحو رؤية مدروسة بنظرة ثاقبة لعرابها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، حتى تصدرنا دول العالم نموًا في الاقتصاد المتسارع والميزانيات التي تفوق الوصف بفضله سبحانه، وهنا صار لزامًا علينا أن نستذكر قوله عليه الصلاة والسلام لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، في الحديث محذرًا من نفور النعم: (يا عائشة أحسني جوار نعم الله عليك فإنها قل إن نفرت عن قوم فكادت ترجع إليهم)، وللأسف ظهر بعض الإسراف الذي جاوز حد رؤية الله تعالى أثر نعمته على عباده، من الإفراط في شراء ما لزم وما ليس له لزوم، سواء في المأكل والملبس أو حتى في سياراتنا التي سخرها الله تعالى لتعيننا على التنقل وليس التفاخر، وقد يقول أحدهم إن تلك خصوصيات ليس للإعلام الحديث عنها، وهنا نرد عليه بأننا في مركب واحد نعيش شركاء، نحرص على عدم فقدان تلك النعم التي وهبها الله لنا، لا سيما ونحن نشاهد بعض الأمم تتخطف من حولنا، حتى وصل بهم الأمر إلى الأكل من خشاش الأرض وشرب مياه بعضها آسن عكر، بعد أن كانت تشتهر بأنها سلال فواكه ومكسرات العالم، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولنا في ظاهرة مزايدات السيارات ولوحاتها خير شاهد ودليل، ليصدق القول: (من عنده ريال محيره، يشتري حمام ويطيره)، ما سطرته ليس حسدًا لمن أنعم الله تعالى عليهم بفضله، ولكنها ثرثرة قلم وتذكرة لمن عاش الحياة كفافها ورخاءها، والحمد لله على تمام فضله». شكوك في غسيل أموال من جانبه، أشار د. صالح محمد التركي إلى أن بعض الأثرياء والميسورين يعيشون حالة من الهوس بالمقتنيات المتميزة، ويصرفون عليها مبالغ كبيرة تجعل كثير من الناس تنتقد تصرفاتهم بسبب أن كل طبقة اجتماعية لها إمكانيات وأولويات، مشددًا على أن حب التميز والظهور والاستعراض زاد عن حده في الآونة الأخيرة. وتابع: «أصبحنا نسمع عن هوس اقتناء وشراء لوحات مميزة للسيارات بأرقام فلكية، حتى غدت أثمان بعض اللوحات أعظم من قيمة السيارات نفسها، فهل من المعقول أن تصل قيمة لوحة إلى عدة ملايين؟ وآخر ما سمعنا به هو وصول قيمة لوحة سيارة إلى ٨ ملايين ريال!. هذا المبلغ الهائل لشراء لوحة سيارة أثار الجدل حول أولويات الأفراد والمجتمع وكيف يتم صرف مثل هذه المبالغ، بينما هناك أمور وجوانب اجتماعية هي أولى أن تصرف عليها هذه الأموال، من إنشاء الأعمال التي تنتج وتفيد المجتمع بدلًا من المباهاة والتفاخر بلوحة سيارة لا تفيد في توظيف ولا إنتاجية للمجتمع، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة: إلى أين نحن سائرون في مجال الماديات والترفيه والتباهي بأشياء لا تساعد في تقدم المجتمع بل تركز أموال كبيرة ومهمة في مقتنيات ليست ذات أولوية لا للأفراد ولا المجتمع؟، وقد تتسبب في إشعال روح الحسد والكره بين طبقات المجتمع، وتزيد من النظرة السلبية عن بعض الأفراد الذين يعيشون في عالم بعيد عن روح المجتمع، وذلك باستعراضهم وتفاخرهم وتباهيهم أمام مجتمع يعج بالمحتاجين الذين بعضهم لا يجدون ما يغطي تكاليف المعيشة من إيجار وفواتير ومصاريف تزايدت مع اختلاف أسلوب الحياة في الآونة الأخيرة. بالطبع لا أحد يستطيع منع أحد من الاستمتاع بما وهبه الله من ثروات وأموال كثيرة، خاصة أن بعضهم يستخدمها كتجارة وبعضهم لديه أموال كثيرة جدًا بحيث أن شراء مثل هذه المقتنيات لا تشكل عبئًا كبيرًا عليه، لكن مثل هذه التصرفات قد تثير الشك في مصدر هذه الأموال، فيتبادر إلى الذهن بأن مصدرها قد يكون غير قانوني، وأن شراء مثل هذه المقتنيات واللوحات ما هو إلا غسيل أموال». عقدة نقص ومحاولة تعويض ويرى أ. د. رشود محمد الخريف أن مثل هذه التصرفات تظل شأنًا شخصيًا، لكن المجتمع ينبغي أن يمقت هذه السلوكيات المذمومة التي ليست من سلوكيات المسلم أو الإنسان السوي في شيء، بل يجب إنكار هذه السلوكيات وتوعية الناس، وخاصة الشباب، بسلبياتها، وذلك من خلال وسائل الإعلام والمدرسة، ومنابر المساجد من أجل الحد منها وتقليل بريقها الزائف، مع الحث على عدم إبداء الإعجاب بأصحابها، لأن ذلك يجعل هذه السلوكيات تنتشر وتزداد وتستمر. ويواصل: «لا شك أن هذه السلوكيات تتنافى مع الدين الحنيف الذي يحث على عدم الإسراف ولا تتفق مع العقل القويم أو حتى المنطق، قال تعالى: (إِنَّ المُبَذِّرينَ كانوا إِخوانَ الشَّياطينِ وَكانَ الشَّيطانُ لِرَبِّهِ كَفورًا). فهذه السلوكيات تعكس شعور هؤلاء الأفراد بنقص داخلي يحاولون تعويضه من خلال الإنفاق المفرط على الماركات الفاخرة أو السلع التافهة من أجل الحصول على نشوة التميز أو الإنجاز الزائف من منطلق «خالف تُعرف» طمعًا في الشهرة!. ولا شك أن بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي أعطوا أمثلة سلبية تشجع على الإنفاق والإسراف وتعزز الاهتمام بالماديات والماركات، مما يشجع الشباب على الإنفاق غير المنطقي الذي يقلص مدخراتهم ويحد من استثماراتهم للمستقبل!. لا شك أن مثلث (المدرسة والمسجد والأسرة) هو الكفيل بالحد من هذه السلوكيات من خلال إيضاح تأثيراتها السلبية على الفرد والمجتمع، وكذلك إنكار الإعجاب بها، لأنها لا تعكس تميزًا علميًا يخدم المجتمع، ولا تدل على نبوغ فكري أو أدبي أو شعري أو فني، بل هو خواء فكري يعوضه هؤلاء الأشخاص بالتباهي بالماركات باهظة الثمن أو لوحات السيارات المليونية في محاولة بائسة للتميز والشهرة، وأود التأكيد بأن الإعجاب بهذه الفئة يعزز هذا السلوك في نفوس النشء ويجعله مطلب الشباب من الجنسين، وهؤلاء الأشخاص عجزوا عن التميز من خلال الإبداع الفعلي في الشعر والأدب والفن والرياضة أو العلم والتقنية، فلجأوا إلى التباهي بالماديات، وهذه السلوكيات توجد بنسب متفاوتة في جميع المجتمعات البشرية، ولا شك أن هذا السلوك مذموم، خاصة أن مجالات الإحسان والخير واسعة وكثيرة، مع وجود كثير من الناس في حاجة إلى المساعدة في تحسين مساكنهم ودعم تعليمهم أو حتى توفير العلاج لهم». أسباب نفسية ومادية وتطرق الأستاذ محمد سعد القرني إلى وجود أسباب نفسية ومادية لانتشار مثل هذه السلوكيات، فمن الأسباب النفسية الإحساس بالنقص والدونية لدى البعض فيحاول تكملة ما يجده من نقص في ذاته من خلال تصرفات غير رشيدة على ملبسه ومظهره، وقد نهى الشرع عن لبس ثوب الشهرة وعده البعض من خوارم المرؤة خاصة للرجال، وقيل كثرة التأنق تؤدي إلى الميوعة، وعمر رضي الله عنه قال «إخشوشنوا فإن النعم لا تدوم»، وما يشاهد عبر وسائل الإعلام من تصوير المناسبات والاحتفالات وتوثيق ما يقدم من الأطعمة وكأنها ستختفي فيتم توثيقها للذكرى، حتى قال الكثيرون (اخفضوا صوت ترفكم عنا). وأكمل: «البعض يستجلب بتصرفاته تسريع غضب ونقمة الله عليه من بطر المعيشة وعدم شكرها، فالشكر مُقيد للنعم قال تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم ولإن كفرتم إن عذابي لشديد) ومعنى الكفر هنا جحود النعم والإسراف والمخيلة والترف المفرط، والعاقل من اتعظ بغيره، فحولنا بلدان كانت في نعيم لا يوصف ثم زال، ونعم الله إذا فرت يعز أن تعود، وتصرفات الأفراد اتسعت لتشمل المجتمعات ويحاكي ويقلد الغني الفقير في ملبسه ومركبه، والله قدر لكل معيشته ورزقه، وخلق الخلق ليتخذ بعضهم بعضا سخريا أي معينًا لا سخرية، فالغني يحتاج لخدمة الطباخ والعامل الفقير، والفقير يرزقه الله من الموسر الغني، لكن ما يلاحظ في المجتمع هو محاكاة الفقير للغني حتى أصبح الفقير يحمل نفسه فوق طاقتها لمجاراة الأغنياء، يقترض ليسافر بأسرته خارج الوطن ليقال سافر، ويقترض ليشتري سيارة فخمة كان يستطيع شراء أقل منها قيمة لخدمته، ويقترض ليزوج ابنه كزواج ابن التاجر الغني، حتى أصبحت كوشة الزواج أغلى من المهر، ولوحة السيارة أضعاف قيمة السيارة، والأرض أغلى من الفيلا، والسيارة ضعف دية سائقها، وتوصيل الوجبة أكثر من قيمتها، وكوب القهوة بقيمة وجبة لعدد من الفقراء، وكأس الشاي لعقل فارغ لا ينتج ريالاً واحدًا يشتريه بعشرين ريالًا، والواجب توعية الآباء أولاً بعدم الانسياق لرغبات أبنائهم، وتوعية المجتمع عبر وسائل الإعلام وخطب الجمع ورواية قصص الغير، للعبرة بها لا للشماتة بمن وقع ولم يحمد ولم يشكر نعم الله، وكذلك سن القوانين ووضع عقوبات رادعة لمن يخالفها، وتشجيع فكر الادخار بدل الاستهلاك للرفاهية المفرطة .ومن الأفضل تدخل الدولة أيدها الله لمنع بيع لوحات السيارات المميزة وأرقام الجوالات المميزة، وصرف تلك اللوحات والأرقام لقطاعات حكومية، لأنها ستفضي إلى مفسدة أكبر في المجتمع، وتخلق طبقية مجتمعية وتضييق منافذ تلك المظاهر الخادعة، فالله يزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن».