نصرة العشاق

الشعر العربي كرر، حتى الملل، العذل والعذال، وكأن كل عاشق يجر وراءه عربة فيها كتيبة مجهزة بالرماح والسيوف متأهبة للفتك به، والحيلولة بينه وبين رؤية حبيبته. الشاعر السائب المخزومي، وهو من مخضرمي الدولتين، خرج من السرب منتصرا للعاشقين، مخاطبا (الهجر) تلك الكلمة التي تقطر حزنا وألما لا يعرفه إلا من أصابه (السهم المقدس في كبده) فهو يقول: يا هجر كف عن الهوى ودع الهوى للعاشقين يطيب يا هجر ماذا تريد من الذين جفونهم قرحى وحشو صدورهم جمر وسوابق العبرات فوق خدودهم هطلا تلوح كأنها القطر متحيرين من الهوى ألوانهم مما تكن صدورهم صفر صرعى على جسر الهوى لشقائهم بنفوسهم يتلاعب الدهر يشدني تعبير (جسر الهوى) شدا شعريا، إلى طائفة من الأسئلة: كيف بني هذا الجسر؟ ولماذا لا يمتنع الناس عن السير فوقه إذا كان ذلك يعني الموت؟ وما الذي يجري تحته، أهو ماء، أم شيء آخر؟ ثم فكرت في أن هذه أسئلة خرقاء. وهي لا تصدر إلا من شخص لم يتحول قلبه إلى موقد، ولم تعرف كبده الجروح، ولم يقرّح الدمع عينيه، وينام ملء سريره. أما من أصابه السهم المقدس فهو لا يشعر بكل ما أصابه حتى لو تناثر أشلاء على الجسر. ولكن المشكلة تكمن عندما تطيش السهام المقدسة في الإصابة للأكباد، فهنا يتولد شيء يحجم عنه التفسير. وقد عبر الأعشى عن فوضى الفشل هذه أجمل تعبير: (علقتها عرضا وعلقت رجلا / غيري وعلق أخرى ذلك الرجل / وعلقته فتاة ما يحاولها / ومن بني عمها ميت بها وهل / وعلقتني أخرى ما تلائمني / فاجتمع الحب حب كله تبل / فكلنا مغرم يهذي بصاحبه / ناء ودان ومخبول ومختبل ..) هل ارتعشت أمام هذه (الفوضى الجمالية) التي تراها عيانا، حين تطيش السهام، فتتولد صورة من صور الحياة المتناقضة التي يتحول التناقض فيها إلى حديقة؟ دعنا أنا وأنت نتخيل أن النائي والداني والمخبول والمختبل قد اجتمعوا في مكان واحد، ولنحدق أنا وأنت في عيونهم، فسنرى منظرا يحتاج التعبير عنه إلى شاعر سريالي، يصور لنا عيني قيس تحدق في ليلى، وعيني ليلى تحدق في سعيد، أما سعاد فقد أتعبت عينيها في النظر إلى قيس، ولم تلتفت إلى سعيد الذي كان يحدق فيها بنهم حارق.