السعودية: القاعدة التي تنفي الشذوذ.

(لماذا المملكة ليست الاستثناء بل هي مقياس الاستثناء نفسه) لطالما رددت الحكمة المأثورة: «الشذوذ الذي يُؤَكِّدُ القاعِدَة». فحين نرى ظاهرةً نادرةً أو سلوكاً خارج المألوف، نستخدمها كمرآة تعكس لنا – بالتناقض – ثبات القاعدة العامة. و لكن ماذا لو قلبنا هذه المعادلة رأساً على عقب؟ ماذا لو كانت هناك «قاعدة» بهذا الثقل و الرسوخ و التناغم مع محيطها، بحيث أن أي حالة أخرى تبدو بجوارها هي الشاذة؟ هذا بالضبط ما تمثله المملكة العربية السعودية في محيطها الجيوسياسي و الثقافي و الحضاري. المملكة ليست الشذوذ الذي يؤكد قواعد الآخرين؛ بل هي القاعدة التي تجعل الآخرين – في كثير من الأحيان – يبدون شذوذاً يتطلب التبرير. تفكيك البديهة: لماذا «الشذوذ» مفهوم نسبي؟ فكرة «الشذوذ» ليست مطلقة، بل هي نتاج مقارنة ، نحن نحدد ما هو طبيعي أو أساسي بناءً على معيار نتفق عليه. في سياق الشرق الأوسط و العالم الإسلامي، تقدم السعودية نفسها كـ المعيار الأصيل، ليس بادعاء تفوق أعمى، بل بفعل تراكم عوامل لا تتوفر بهذا التركيب الفريد لأي كيان آخر: 1. القلب النابض للإسلام: لا جدال في أن وجود الحرمين الشريفين في مكة المكرمة و المدينة المنورة يمنح السعودية مركزاً إسلامياً و روحياً و حضارياً لا ينازع ، هذا ليس مجرد موقع جغرافي؛ إنه جوهر الهوية الإسلامية العالمية. السعودية هي القاعدة التي تحمي هذا القلب و تدير شؤونه، أي محاولة لنقل هذا المركز أو التشكيك في أحقية السعودية فيه تبدو – مقارنة بهذه القاعدة الراسخة – كشذوذ تاريخي و ديني . 2. الثبات السياسي كقاعدة، لا كاستثناء: في منطقة عانت لعقود من الزلازل السياسية و الانقلابات و الصراعات الأهلية الطاحنة، يبرز استقرار النظام السعودي و تماسك نسيجه الاجتماعي تحت مظلة الدولة الواحدة كظاهرة فريدة ،هذا الاستقرار لم يأتِ صدفة؛ فهو مبني على عقد اجتماعي تاريخي يجسد «البيعة»، و نسيج قبلي متراص و موحّد، و رؤية تنموية متسقة. في هذا السياق، ليست السعودية هي الشاذة بالاستقرار، بل الدول التي تعاني من الفوضى المتكررة هي التي تبدو شاذةً مقارنةً بقاعدة الاستقرار السعودي. 3. الاقتصاد: المحرك المركزي لا الهامش التابع: بفضل الثروة النفطية الهائلة التي وضعتها الجغرافيا (لا صناعة الإنسان) في باطن أرضها، تمتلك السعودية قاعدة اقتصادية تضاهي اقتصادات دول كبرى ، لكن الأهم هو كيف حوَّلت هذه الثروة إلى قوة جيوسياسية مركزية (من خلال أوبك+ و تأثيرها في الأسواق العالمية) و محرك رئيسي للاستثمارات الإقليمية و العالمية (مثل صندوق الاستثمارات العامة). محاولات دول أخرى، حتى لو كانت غنية نسبياً، لممارسة تأثير مماثل تبدو غالباً أقل فعالية أو استدامة ؛ أي شاذة مقارنةً بقاعدة التأثير الاقتصادي السعودي. 4. التحول كاستمرار لا كقطيعة شاذة: كثيراً ما يُصوَّر «الانفتاح» الحديث في السعودية (تمكين المرأة، السياحة، الترفيه، رؤية 2030) على أنه شذوذ عن «تقليد» متجمد. هذه رؤية قاصرة. السعودية، كـ قاعدة حضارية حية، تتفاعل مع العصر و تعيد تشكيل نفسها مع التمسك بثوابتها الدينية و الهوية السعودية العربية الأصيلة. التحول المدروس تحت سقف الدولة و الثوابت هو استمرار منطقي للقاعدة السعودية القادرة على التكيُّف. في المقابل، قد تبدو محاولات التغيير الفوضوية أو الانغلاق الكامل في أماكن أخرى كشذوذ عن مسار التطور المتوازن الذي تخطه السعودية كقاعدة. الخلاصة الذكية: السعودية هي مقياس «الطبيعي»: السعودية، بثقلها التاريخي و الديني، واستقرارها السياسي الفريد، و ثروتها المؤثرة، و دورها المحوري في العالمين العربي و الإسلامي، و نهج تحولها الواعي، تضع نفسها كمعيار «القاعدة» في محيطها. وجودها القوي و المستقر و المتنامي هو الثابت ، و في ضوء هذه القاعدة المتينة، تصبح حالات عدم الاستقرار المزمن في جوارها، أو محاولات تقويض دورها الديني، أو السعي للتنافس مع تأثيرها الاقتصادي دون مقومات مماثلة، هي الظواهر التي تظهر بمظهر «الشاذ» الذي يحتاج إلى تفسير أو تبرير. المملكة العربية السعودية إذن، ليست الاستثناء الذي يثبت قاعدة الآخرين. إنها القاعدة الراسخة التي يبدو أي انحراف عنها، أو أي عجز عن مجاراتها في توازنها الفريد بين الأصالة و المعاصرة و الثروة و النفوذ، هو الشذوذ الحقيقي الذي يدفعنا للتساؤل: لماذا لا يستطيع الآخرون أن يكوُّنوا مثل هذه القاعدة؟ السعودية لا تثبت القاعدة، السعودية هي القاعدة التي يُقاس عندها الشذوذ. و هذا هو قلب الانعكاس الذكي للمقولة الشهيرة.