نوافذ جديدة من شرفات.

هذا الشهر، نفتح في “شرفات” نوافذ جديدة على أسماء ومناطق لم نطلّ عليها من قبل. أقلام من المملكة، وقراءات من طهران، ورحلات في قلب آسيا الوسطى؛ كلّها تضيء مشاهد متنوعة، وتستدعي تأملًا مختلفًا في موقعنا الثقافي وسط هذا العالم المتسارع. ترجمة تقتنص بعين عربية نصا غائبا وتضعه في قلب اللحظة الراهنة، ورحلة تعيد فتح الأفق نحو الشرق، وقراءة تأتي من “الآخر” لتذكّرنا بأن أدبنا الشاب بات في موضع القراءة والدهشة. الدكتور سعد البازعي، أحد أبرز أساتذة المشهد الثقافي، يصغي إلى اللحظة ويترجم عملا مهما من أعمال فرانتس كافكا يقل الالتفات إليه على الرغم من أهميته لنا وللظروف الراهنة. ترجمة بروح مختلفة، نسعد بتقديمها، تطرح صورة رمزية يُقابَل فيها العربي بإيجابية أمام صورة يهودية سلبية، في معالجة تفيض بالرموز وتستدعي كثيرًا من التأمل. وفي هذا العدد، نستأنف في “شرفات” تقليدا صحفيا عريقا طالما ميّز المجلات الثقافية الكبرى، حين كانت ترحب بالرحلات لا بوصفها انتقالا جغرافيا، بل مغامرة فكرية وحسية وروحية. ويسعدنا أن تكون هذه العودة بقلم محمد الدميني، أحد أبرز شعراء المملكة وكتابها، الذي يكتب لنا عن رحلته المدهشة بين سمرقند وطشقند، على دروب الحرير، وفي ظلال القلاع والمدارس والأسواق والتماثيل والمآذن. وهو نص لا يُقرأ كرحلة فقط، بل كدعوة إلى إعادة اكتشاف الشرق من جديد، بعين مثقف سعودي، يعبّر عن أمله -وربما يدعونا - إلى تجديد الشراكات، وبناء مصالح تتقاطع مع هذا الامتداد الحضاري العريق. أما المادة الثالثة التي فاجأتنا حقًا، فقد جاءت من طهران: كاتبة ومترجمة إيرانية قديرة، وسط لحظة سياسية ملتهبة، تختار أن تبعث إلينا بقراءتها عن كاتب روائي سعودي شاب يصدر روايته الأولى، في رمزية هائلة لا تخفى. وهذا الفعل ذاته هو ترجمة مضادة: أن تُقرأ من هناك، بلغة نقدية، فيها عمق وانتباه، رغم كل الضجيج السياسي. لغة شعباني حملت حسا أدبيا دقيقا واهتماما صادقا بالأدب السعودي الجديد، وكأنها تذكّرنا بأن الأدب - حتى في زمن القصف - لا يتوقف عن بناء الجسور. ومن “شرفات”، نطل على هذه المحاولات لا لنحيط بها، بل لنعبر من خلالها إلى أفق أوسع؛ حيث تمتدّ الثقافة بين الترجمة والرحلة والقراءة… وتبقى الكلمة طريقنا المفتوح.