وحيدة.. مزدحمة

قبل أشهر صادفت مقالا للأستاذ أحمد السماري تضمن اقتباسا من رواية لأديبة سعودية اسمها (منيرة ال سلمان)، وكان أول ما شدني هو الشجن الذي يتقاطر من لغتها بعفوية جعلتني أتماهى مع مشاعر النص دون شعور. وحين سألته عنها تفضل مشكورا بإرسال الرواية لي لأكتشف أن اللغة التي أسرتني في الاقتباس كانت طرف خيط انسل من كرة الصوف الدافئة الهادئة الألوان … بعيدا عن أحداث الرواية التي تبدأ بصدمة تربك البطلة وتقلب موازين أيامها الرتيبة والهادئة.. فتسقط كرة الصوف وينسل منها ذلك الخيط الذي يقود القارئ إلى مغارة دافئة تنز الرطوبة من مسامات جدرانها.. ويسيل منها حزن دافئ شفيف.. حزن لا يوجع ولا يورث حسرة بقدر مايتدفق في زوايا منسية يوقظ رغوة الحنين لتتكاثف في فناجين الذاكرة.. الكثير من تفاصيلها لم أعشها ولا أظن أحدا من جيلي عاشها.. لكن براعة الكاتبة تجعل القارئ يشعر وكأنها تمسك بيده معها ليقف على تلك الكومة المكتظة بأشياء عتيقة ناعمة. يقلبها معه يتأملها ليدرك أن الإنسان ابن مشاعره يعيشها بفطرته بحلوها ومرها سواء اعتلى قبة الحضارة أو كان لايزال في كهفه البدائي. أظنني عشت تجربة ملهمة في هذه القراءة مع لغة دافئة راقية بديعة في مجازاتها وفنها.. لغة تجسد الشعور كطيف يخاتلك في منعطفات الرواية يتحد بك ولا يتركك حتى يسلمك لشعور آخر. الرواية تكتسب قيمتها العالية أيضا من وصفها للبيئة المحلية التي عاشتها البطلة في قرية من قرى نجد ودخول تعليم الفتاة في تلك الحقبة. المأخذ الوحيد الذي رأيته هو أنها ضخمت جانب الذكريات على حساب نقل كثافة الحدث الآني.. فجاء وصفها للأحداث وتفاعل البطلة معها مقتضبا لا يليق بالحدث. وفيما عدا ذلك فرواية “وحيدة من زمن الطيبين” ترغمك على أن تزاحم وحدتها حتى تفرقكما الصفحة الأخيرة.