إنطلقت بنا المركبة من ساحة الحبوبي (مركز محافظة ذي قار) الى أهوار الجبايش التي تبعد(٣٦٠ كم )جنوب الشرقي من بغداد ، وعن مدينة الناصرية (٨٠ كم ) ،وعلى جنبات الشارع المؤدي الى تلك الاهوار تهب علينا نسائم الهور وعبيره وعبق الطبيعة ، تطربك اصوات نبات القصب والبردي اشبه بسمفونية لا يعزفها اي موسيقي بارع واصوات الطيور المختلفة تجعلك ان تسترخي و انت في مهمة صحافية مشدود الاعصاب . هكذا رايت الماء ، ورايت المساحات الخضراء ، ورايت الوجوه الحسنه الطافحة بالبشرى . * تاريخ الاهوار * أهوار العراق مكان للطبيعة وملاذها الساحر بتنوعه البيئي في جنوب العراق ، منها اهوار البصرة والعمارة والناصرية . قسم من هذه الاهوار يغذيها نهر دجلة والاخر نهر الفرات ، هذه المنطقة الفريده من نوعها والتي تمتد على مساحات واسعة من الاراضي . وتعد هذه المنطقة من الاهوار موطن العديد من أنواع النباتات والحيوانات والطيور المهاجرة . هذه الاهوار كنز بيئي وثقافي في هذه المنطقة الرطبة من جنوب العراق ، في يوم ١٧ تموز ٢٠١٦ وافقت اليونسكو على وضع الاهوار ضمن لائحة التراث العالمي كمحمية طبيعية دولية . الاهوار لها تاريخ طويل يعود الى اكثر من سبعة الاف سنة قبل الميلاد والى فجر السلالات وهي موطن الحضارات القديمة من السومريين المتمثلة بحضارة أور و أكد و أريدو. تسمى بلاد سومر . الاهوار مسطحات مائية دائمية طبيعية مغمورة بالمياه من هور الحمار وأهوار الجبايش وأهوار الفهود . عثر قرب هذه الاهوار على لقى قيمة من اختام ورقم طينية ومصوغات ذهبية واحجار كريمة تعود الى حقب زمنية تاريخية حضارية مختلفة . * اصل تسمية أهوار الجبايش* أصل تسمية الجبايش في اللغة جمع كلمة (جبشة ) وهي جزيرة صناعية تطفو على سطح ماء الهور. يحضر القصب والبردي من قبل متخصصين مهره في هذا المجال، يكبس هذا القصب والبردي بشدة فوق بعضه حتى يصبح جزيرة عائمة ويمكن البناء فوقة دار (صريفة) لهذه الجزيرة المكبوسة من القصب والبردي . وقد وردت هذه المعلومة من خلال مدونات سومرية قبل الاف من السنين قبل الميلاد وتعلموا طريقة بناء هذه الجزيرة من أجداد هؤلاء . ومن خلال الجباشة تكون مجمعات سكنية تكون على شكل جزر وتلك الجزر تسمى سلف وهذه المجموعات تسمى سلاف وتنتمي الى قبائل عربية معروفة منها بني أسد وبني خيكان وبني حمدان وغيرهم ، وذكر بيت القصب في ملحمة ( كلكامش ) السومرية . وطريقة التنقل في مابين هذه القبائل عن طريق ( البلم) (الشختورة) او الزورق . * ملحمة كلكامش * وهي ملحمة شعرية من أداب بلاد الرافدين وبالتحديد بلاد سومر جنوب العراق ويعود تاريخها الى عصر سلالة أور الثالثة السومرية حوالي ( ٢١٠٠ ق. م ) واصل هؤلاء السكان من الاهوار الذين صنعوا الاسطورة التاريخية كلكامش ضاربة في عمق التاريخ الى فجر السلالات . * المرأة والهور * تميزت المرأة العراقية بالصبر والمصابرة ، حيث واجهت الكثير من الظروف الصعبة والتحديات الجسيمة منها الطبيعة والحروب والحصار التي عاشتها في البلاد لكن واجهتها بالتحدي والتدبير. شاركت أخاها الرجل في مجالات شتى ، منها العمل . من هذا العمل في بيئة الاهوار . في هذه البيئة تحملت المسؤولية الكاملة للبيت والعمل .تنهض فجرا لتذهب مع (الجاموس) الى عمق الهور ، ثم ترجع للبيت لتعد الطعام لأسرتها وبعدها تذهب لتجلب الحشيش والقصب والبردي من الهور الى بيتها كعلف لحيواناتها .الرجال يجلبون الغداء من الاسماك او الطيور يصطادونها من بيئتهم .يتناولون الغداء ، بعدها تذهب المرأة لجلب حيواناتها عصرا الى بيتها ومساءا تقوم مع الرجل بحلب الجواميس بعدها يتم تسويقه .هكذا هو دور المراة يوميا في ميدان العمل في الهور . * طريقة عيش اهل الاهوار * خيم علينا المساء وكانت الاجواء الساحرة وجميلة من مناظر طبيعية خلابة وهدوء الطبيعة لا تسمع إلا أصوات الطيور المختلفة واصوات القصب والبري عبر الرياح العليلة. كان استقبال اهل الاهوار لنا بالابتسامة ورحابة وحفاوة واجوائهم تسر الخاطر ، حيث كنا في مضيف (سالم حمد ( ٦٤ عاماً ) وكان ترحيبه حاراً في ظل اجواء الهور الباردة الجميلة . --- سالته ما طبيعة عيشكم في هذا المكان الاهواري الجميل ؟ * اجاب قائلا : نحن نسكن في هذا المكان منذ زمن بعيد وليس اليوم حيث سكن الاجداد في هذه الجباشة التي تراها بعينك، ونربي هذه الحيوانات الجاموس يوميا نحلبها يدويا ونسوق الحليب للمعمل وقسم للمحلات البيع . --- بعدها سالت ( عبدالله فاهم ٥٥ عاماً) حول طريقة عملهم * اجاب قائلا : عملنا يعتمد على تربية الحيوانات من الجاموس نسوق حليبها، أضافة الى صيد الاسماك بانواعه مثل القطان والبني والشبوط والبياح والخشني (الزوري) والجري وايضا نسوقة الى تجار الاسماك في بغداد وباقي محافظات العراق ومن ثم نصيد الطيور منها البط والخضيري والبرهان وطير الماءايضا نسوقها طيوراً حية . وهناك نقطف ثمرة القصب والبردي نصنعها حلوي أهوارية طعمها طيب المذاق ومشهورة في جنوب العراق ونسوقها لمعامل الحلويات. وذكر الاخ (عبدالله فاهم) يكون غذاؤنا اليومي من الاسماء والطيور ومشتقات الالبان من حليب الجاموس. --- ثم سالت الحاج ( راشد مبارك ٨٠ عام ) عن طبيعة تعليم ابنائهم وطريقة مناسباتهم . * حيث قال : هناك شيدت مدارس قرب بيوتنا (جباشة) العائمة على سطح الماء وسجلنا أطفالنا في هذه المدرسة يتعلم بها كما هي المدارس الاخرى في محافظة ذي قار وعند اكمالهم الدراسة الابتدائية نقوم بأرسالهم الى المدارس المتوسطة لاكمال دراستهم لان لاتوجد مدارس متوسطة عندنا فقط مدارس المرحلة الابتدائية. واردف يقول هناك مركز صحي يعالج المرضى؛ اذا كانت حالة طارئة تستوجب ارساله الى مستشفى القضاء او مركز المحافظة . --- ثم تجولنا من خلال وسيلة تنقلهم الزورق وكان بصحبتي (حامد ناصر ٦٥عام) واخذ يوضح لي وسيلة نقلهم وطبيعة الهور واسهب في حديثة قائلا :: * وسيلتنا هي التنقل الزورق وهذا الذي تشاهده مرة مصنوع من الخشب ومرة من مادة( فايبر كلاس) يسمى البلم نستخدمه بالدفع اليدوي عن طريق عمود طويل واذا وضعنا علية ماكنة تحول اسمه الى زورق يعمل بالوقود البانزين. ومن ثم صاحبنا في الجولة ( فالح موسى ٥٥ عام) وحدثني عن طريقة افراحهم بالزواج ؟ * قال : زواج أولادنا لايختلف عن الاخرين، لكن يختلف بيئيا لان بيئتنا مسطحات مائية (أهوار) ووسيلة تنقلنا الزوارق ، تكون خطبة الفتاة للشاب عندما نذهب الى أهل الفتاة بمجموعة خيرة من الرجال ومجموعة من النساء مصحوبين باطلاق الاهازيج للرجال وزغاريد للنساء تعبر عن فرحتهم بالخطوبة . وبعد مدة تكون حفلة الزواج بجلب العروس الى بيت العريس بصحبة زوارق أهل العروس (الزفة) وأهل العريس وتمتزج فرحتهم سوية بهذا اليوم . * بعدها تحدث (كامل فاضل ٥٨ عام) وقال عندما تنتهي المواد ألغذائية يذهب كل واحد منا لشراء ما يحتاجه بيته ، اضافة الى جلب مواد البطاقة التموينية الشهرية التي توزعها الحكومة على المواطنين والمقيمين شهريا ومن ثم شراء بعض من الفواكة والخضار الذي نحتاجها للبيت. وقال اضيف نقطة لم يتطرق لها اخوتي والقول الى (كامل فاضل) أضافة الى عملنا تربية الجاموس وصيد الاسماك والطيور نحن نجمع القصب والبردي نسوقه الى متخصصين هناك لصناعة البواري وهذه مادة اولية تدخل لبناء الصرائف ( البيوت ) والمضايف وبيوت الطين . * السياحة في الاهوار..... نفط دائم* --- تحدث ( هاشم عارف ٥٠ عام) حول بيئة الاهوار الجميلة وقال : بيئة الاهوار بيئة جاذبة للاستثمار السياحي، جاذبة للسياح العرب والاجانب ، لان هذه الاجواء الساحرة اطلقوا عليها السياح الاجانب ( فينيسا الشرق ) وكثير من الزوار الاجانب يأتون لنا ويتمتعون بهذه الاجواء الممتعة، هم يحبون المسكوف (اكلة السمك المشوي). ومن الطريف ان هذه الاهوار لاتوجد بها فنادق لاقامة الضيوف السياح ، فنادقنا هى بيوتنا المفتوحة أمام ضيوف أهوار العراق حتى صارت صداقات بيننا واتصالات. * المعوقات التي يعانون منها أهل الاهوار* --- شاركنا في الحديث (شاكر عامر ٧٠ عام ) وسالته : ماهي المعوقات التي تعانون منها ؟ * اجاب قائلا : نحن واجهنا الكثير من التحديات والمشاكل والمعوقات منها الهجرة القسرية التي مارسها ضدنا النظام الصدامي المقبور ، حرق بيوتنا وزجنا بالمعتقلات والسجون من رجال و نساء واطفال لاننا رفضنا الخدمة الالزامية لاقحامنا بحروب على جيراننا من الاشقاء العرب لامعنى لها وكذلك الحرب مع ايران، ومارس ضدنا سياسة تجفيف الاهوار ناهيك بما قامت به ايران بقطع مياه نهر الكارون الذي يصب في أهوار ميسان لحد الان مما أضر بالانسان وبالثروة الحيوانية والسمكية والبيئية .لقد دمر بيئة الاهوار كافة من أهوار البصرة وأهوار العمارة وذي قار .. اما اليوم فإننا نواجة شح المياة ليس في الاهوار فحسب وانما في نهري دجلة والفرات بسبب تركيا حيث وضعت (٢٢) سد مائي على مصب النهرين دجلة والفرات من اراضيها مما سبب عدم حصول العراق على حصته المائية المتفق عليها دوليا وهذا يتنافى مع حق الدول المتشاطئة للانهار مما اثر سلبا على على مناسيب نهري دجلة والفرات وعلى الاهوار كافة . غادرنا الأهوار بقلب مليء بالجمال والسلام وذكريات لاتنسى وسحرها سيبقى الى الابد بطبيعتها الخلابة والتراث الثقافي بعد يومين من الاستمتاع بالطبيعة الخلابة وسهولها الخضراء الغناء ،، لان الاهوار العراقية ليست مجرد مكان بل هي روح وذاكرة وتراث ، لأننا نجد الجمال في كل زاوية والكرم في قلب ، وودعونا هؤلاء بمثل ما استقبلونا بكرم وابتسامة وحغاوة . تصوير: د. جاسم الاسدي