محمد زايد الألمعي..

شاعر الكلمة الصادقة.

عرفت الشاعر محمد بن زايد الألمعي مع بداية مهرجان الجنادرية الثقافية بالرياض، ومع صدور مجلة (النص الجديد) ودوره الحيوي بها، إضافة لمسؤوليته في التحرير، يشارك بما يتيسر، وأمامي العدد الوحيد (التاسع والعاشر) يونيو 2000م وبه مجموعة قصائد لمحمد زايد الألمعي (تحديق. وحدة. سيد الليل. الخطى) ص 93-95. وقبلها ارتبط اسمه بصدور العدد الأول من مجلة (بيادر) التي أصدرها النادي الأدبي بأبها 1406هـ 1986م. (ملف ثقافي إبداعي يصدر عن نادي أبها الأدبي) وكان الألمعي أحد من ينسبون إلى الحداثة، وله فيه قصيدة (توسلات لموت آخر). القصيدة بقوله: فديتك يا سيداً ماثلاً في دمائي. أفاصلك الآن في نظراتي.. وأقسم ألا سواك يمزقني. حين آوي إلى جبهتي الباردة. أنت مني.. سوى أنني نافر منك عني.. ومن ذا يرى نافراً من دمه؟ أمزق وجهي عليك.. ولكنني حين أدنو أراك تتابع ما أصطلي ثم تشنقني بالتعاويذ والدمع والتمتمات تُرى كم سكنّا قبب البكاء؟ وكم ننحني فوق فكرتنا الجاحدة؟ ثم نأوي إلى حلم قبل أن يكتمل.. لا قوانا تراخت ولا نحن نستعجل المائدة. بيد أنا نُسائل إذ يقطر الملح.. والحبر .. والدم من يا ترى ترتجيه الليالي الكئيبة؟ إنها قطرة للتراب.. الخ ص38 – 40 . وهو أ حد محرري مجلة (النص الجديد) التي كانت تصدر من دار الخشرمي للنشر والتوزيع بقبرص، وقد بدأ يتأخر صدورها. فأذكر أنه في أحد اللقاءات اقترح أن يتولى إعداد كل عدد منها أحد أعضاء هيئة التحرير، حتى لا يكون العبء على واحد فقط. وقلت إن له في العدد (التاسع والعاشر) قصائد نختار منها: وحدة بعد عشر سنين وبضع قصائد، سوف يعود ولن يتكلف صنن العتاب. وسوف يرتب في سجنه ذكرياته وموت حياته وسوف ينام وحيداً ولن يلتقي قط من يتلقى صباح صلاته سوف يأتي ويقسو على من يحب فلا يشتهي أغنياته! أذكر مع بداية عملي بمكتبة الملك فهد الوطنية أن زرت مدينة جدة للتسجيل مع بعض الأدباء وكنت أقيم مع الصديق عبدالسلام الوائل عندما كان طالباً بجامعة الملك عبدالعزيز فزارنا الأخ محمد وكنا على موعد مع الأستاذ عزيز ضياء للتسجيل معه في برنامج التاريخ الشفهي مساء 23/11/1416هـ وفرح وأصر على مرافقتنا له وحضر التسجيل على مدى ثلاث ساعات، وكان فرحاً ومنتشياً بما سمع من ذكريات مهمة يرويها أبو ضياء وكيف كانت الحياة الاجتماعية في المدينة ومكة وغيرها. أصبحنا نلتقي بالقاهرة أثناء إقامة معرض الكتاب، وتعرف على من كان يزورنا قادماً من الإسكندرية ومنهم حسين شاهين وابنه الصغير حازم الذي سريعاً ما كبر وأصبح مطرباً ومغنياً للشعر الحديث وللقصائد الوطنية، فأصبحت علاقته بالابن بعد وفاة الأب وثيقة فاحتضنه وقدره. وسمعت أنه قد ساهم مع أحد أصدقائه بتأسيس دار نشر أعتقد أن اسمها (دار متون). وجدته بمعرض القاهرة للكتاب وهو يختار الكتب الحديثة لتزويد مكتبة النادي الأدبي بأبها وكنت على علم بانتخابه رئيساً لمجلس الإدارة رغم معارضة المتشددين من أعضاء النادي وغيرهم، فهم من منعوا استمرار مجلة (بيادر) على النهج الذي كان وغيره من الحداثيين وأعادوها كما يريدون. وزارني وكان متحمساً لبداية نشاط ثقافي مميز وقد ذكر لي أسماء من رموز الحداثة في داخل المملكة وخارجها. وعندما عرف بعلاقتي بالدكتورة ثريا التركي رئيسة قسم الاجتماع (الانثربولوجيا) بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهي من بنات المملكة، وأنها تزور عائلتها بجدة بين وقت وآخر وتستضيفها جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود لإلقاء بعض المحاضرات أصر على دعوتها للمشاركة في موسم النادي. فأتصلت بها ورحبت بزيارتنا لها في منزلها فذهبت لها برفقة الأخ محمد ومعنا الأستاذ محمد السيف. اتفق معها على ما يمكن أن تتحدث عنه، وأنه سيقترح اسمها مع غيرها. ولكنه لم يمكث بإدارته للنادي، إذ تحركت الأيادي الخفية والقوى الضاغطة لعزله من رئاسة النادي. جاء كالمعتاد لحضور المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية عام 2008م فدعوته لزيارة مكتبة الملك فهد الوطنية والتسجيل معه في برنامج التاريخ الشفوي وفعلاً حضر وكان اللقاء ظهر السبت 30/2/1429هـ الموافق 8/3/2008م تحدث واسترسل في الطفولة والتعليم بالقرية برجال ألمع ثم انتقاله إلى مدينة أبها للدراسة والتدريس، وانتقاله إلى جدة للدراسة الجامعية والتي لم تتم، وللكتابة في الصفحات الثقافية، تحدث عن بدايته مع الشعر وعن القبيلة وأحلافها وعن المشاكل التي تحصل، والتي أودت بحياة والده، وقد تأثر كثيراً بذلك، وتحدث عن علاقته بالنادي الأدبي بأبها وعن إصداره للعدد الأول من مجلته (بيادر)، وتصديه للقوى المعطلة لكل تقدم، وانتصارهم على عزله من إدارة المجلة، ثم إقرار انتخابات مجلس النادي فانتخب رئيساً للنادي ومع ذلك ثم تحويله إلى عضو لمجلس الإدارة بضغط من المتطرفين. وتحدث عن ظروف تأسيس جريدة الوطن واختياره لرئاسة القسم الأدبي، وتحدث عن عودته للعمل بوزارة الزراعة، وعن إصدار مجلة النص الجديد وأسباب توقفها. اختاره الدكتور عبدالله المعيقل من جيل التحديث، واختار له في (موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث)، قصيدة (يتهجى الطفل مراثيه) ص513/ 517 وهي من أطول قصائده. وترجم له في (معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين)، واختير له قصيدة طويلة بعنوان (من قصيدة: نرجسة الخيلاء) نختار منها قوله : « فيا أيها المستريب ببعضك هلا تيقنت أن الذي في ملامحك.. الآن ليس بوجهك. لكنه وجه من أطعمك! وهذا خلاصك فوق سراط الحقيقة هذا خلاصك فارجع فما عاد في العمر متسع كي تميل إلى ضده أو إليه لك الآن أن تتراجع عن موتك المعدني. فإن القبور سواء.. ولكنها ميتة... سوف تحييك.. أو تقتلك.. الخ». / ص406/ 417. وترجم له عبدالرحمن المحسني في (قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية)ج1. قال عنه: «.. عمل رئيساً لنادي أبها الأدبي، وعضواً فاعلاً فيه، كما شارك في عدد من اللجان والمطبوعات الثقافية، وحصل على عدد من الدورات التدريبية في الصحافة وشارك في عدد من الأمسيات الشعرية والندوات داخل البلاد وخارجها. يعد من رواد حركة التجديد في القصيدة في المملكة العربية السعودية إبداعاً وتنظيراً، شاعر في روحه ونصه، يتمتع نصه بثراء فني في بنياته اللغوية، وعطاءاته الدلالية، وفي تجربته حركة دائبة لإنتاج عمل مختلف.. له نصوص شعرية كثيرة غير مجموعة..» ص79 . وترجم له في (موسوعة الشخصيات السعودية) لمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر) ج1، ط2، ورد فيها : «.. عمل مدرساً بوزارة المعارف 1980 لمدة أربعة أعوام، ثم محرراً ثقافياً بجريدة البلاد 1408 – 1410هـ ثم مديراً لوكالة آراب للإعلان مدة عامين، ثم سكرتير مجلس إدارة مصلحة المياه والصرف الصحي بمنطقة عسير، وهو عضو ومقرر جائزة أبها الثقافية.. حصل على شهادات التقدير من مكتب التربية لدول الخليج العربية 1984، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت والمهرجان الوطني للتراث والثقافة – الجنادرية – بالرياض). بعد وفاته رحمه الله أصدرت مجلة اليمامة في عدد 2790 ليوم الخميس 28 ديسمبر 2023م. ملحقاً بعنوان (محمد زايد الألمعي .. رحيل الكلمة الصادقة) شارك به عدد من الكتاب والأدباء منهم الدكتور محمد بن علي آل مريع رئيس نادي أبها الأدبي، والشاعر عبدالرحمن موكلي، والشاعر عبدالمحسن يوسف، والشاعر علي خرمي، وأحمد السروي، والشاعران محمد إبراهيم يعقوب وجاسم الصحيح والدكتور حسن النعمي والشاعر إبراهيم طالع الألمعي. وإبراهيم مضواح الألمعي، وعادل الحوشان وعبدالله ثابت، والدكتور أحمد التيهاني، والدكتور محمد صالح الشنطي، وأحمد الدويحي ، وعلي الأمير، وحامد عقيل، وحسن آل عامر، وصالح الديواني. وقد اختارت المجلة مقاطع من قصائده بدأتها بقصيدة الصبي : حين كنت صبياً توهمت أن السماء سألمسها بعصاي إذا ما علوت الجبل، كان جدي يصدقني ويزين لي كذبي فاخترعت أساطير طيشي.. وقلت: بأني علوت الجبل وأني تلمستها بعصاي وأيقظت نجماً بسرتها يختبي! وها أنا مذ رحل الأهل ، في جبة الكهل، وحدي أردد أسطورتي وأصدق ذاك الصبي! توفي رحمه الله في السابع عشر من ديسمبر 2023م في أحد مستشفيات القاهرة ونقل جثمانه إلى المملكة حيث دفن.