ذكرى “عيدة” روح الشمال.

هناك في أقصى الشمال، بدأت تفاصيل الحكاية في مقنا وهي قرية ساحلية وادعة على الساحل الشمالي الغربي لبلادنا، تترقب مستقبلا لم تكن تتخيل أن يمر بها على موج دهشة مدينة المستقبل “نيوم”، هناك حيث تمتد الأرض صامتة ووقورة، تعرفتُ على “عيدة”، سيدة كبيرة في السن، تحمل في تجاعيد وجهها تاريخ المكان وذاكرة النخيل. لم تكن مجرّد امرأة عادية مرّت على حياتي كأسماء كثيرة في دفتر التعليم، بل كانت حضورًا يشبه القصص التي لا تُنسى وتشبه تلك الحكايا التي تخلد في التاريخ . كنتُ من أهل الحجاز أحمل في الروح رقته وحنينه وعطر نعناع المدينة وريحانها وصوت المآذن التي تعلو المسجد النبوي في نبرة الصوت ، أحمل معي دفء الحجاز وحنينه ليلتقي بعيدة الشمالية التي ،رغم السنوات التي تحملها تجاعيد وجهها تفاصيل كفيها و نبرة صوتها، إلا أنها تقف روحا تمتد بكل جمال أصالة وتاريخ، جئت إلى الشمال معلمة، أتنقل بين صفوف الطالبات وأصواتهن ودهشة أحلامهن، وهناك التقيت بها، “عيدى” لم تقرأ وتكتب يوما، لكنها كانت تعلّمني الكثير فقد تعلمتُ منها، الكرم الفطري، والإيمان وكيف يمكن أن تتجسد الأرض والبحر والنخيل في روح تسكن قلبا كقلبها ،وعرفت منها كيف يكون حب الوطن حكايتها ومعنى أن تمتد في ظل أمن وأمان وقيادة امتد عطاؤها لأقصى مكان في هذا الوطن حتى وصل إلى “عيدة” التي تستريح تحت ظل نخيلها. مرت سنوات، وعدت إلى مدينتي، لكن “عيدة” بقيت في الذاكرة، لا أتذكّرها وحدها، بل تتبعها صورة النخيل الذي يشبه جمال هذا الوطن الغالي، وصوت الأمواج، ورائحة البحر وذاكرة مكان ينظر للمستقبل بعين تترقب حكاية المستقبل التي تُروى بعين جيل يحب امتداد اللون الأخضر ويررد بكل فخر “سارعي للمجد والعليا”. عدت وبقيت دهشة الحكاية في قلبي كأنها لم تنتهِ، كأنها تنتظر أن تُروى من جديد بفصل آخر بعنوان نيوم “مستقبل وطن ، ورؤية واعدة”، وأهلا بكل العالم في وطن هو الكون فينا. قصيدتي أنت منذ البدء لّحنها أجدادي الشُّمُ فانثالت إلى أذني ترنيمةٌ عذبة الألحان فامتزجت ألحانها في دمي بالدفء تفعمني غنيتها للرمال السمر في شغفٍ وللصواري وللأمواج والسفن لنخلةٍ حينما أسمعتها اندهشت تمايلت وانثنت نحوي توشوشني” *إدارة تعليم المدينة ماجستير أدب ونقد