المَدَنِيّة والنِّظام

مع التَّحوُّل المدنيِّ يصير الالتزام بالنِّظام ضرورةً قصوى؛ لتنظيم الحشود التي تطلب نصيبها المفروض من المنافع العامَّة. وأيّ خروجٍ عن النِّظام يسبِّب إرباكًا ودَرْبكةً وضِرارًا أقلّه تبخّر جزءٍ من جداول النّاس في زمنٍ كإبهام القَطَاةِ أيّامُه. وأكثر ما يكون الخروج عن النِّظام من أقوامٍ لم يَعُوا درس المدنيَّة الأوَّل: أنت لست وحدك؛ فترى أحدهم يتصرَّف في يوميَّاته كأنَّ معه صكًّا على مدينته؛ يراوغ ماكرًا في طرقاتها متجاوزًا على النِّظام في الأماكن المحظور التَّجاوز فيها كأنّه ميسي الذي قيل فيه: يَتَحَسَّسُ الثَّغَرَاتِ عَابِرَةً وَيَرُوغُ مِنْهَا غَيْرَ مَحْسُوسِ كَالمَاءِ فِي الغِرْبَالِ مُنْتَثِرَ النَّزَوَاتِ مُنْتَشِرًا كَفَيْرُوسِ ويتجاوز طوابير الانتظار في منشآتها ومؤسَّساتها كأنّه من أهل بدرٍ... ولكن للإنصاف، قد يُعْتَذَر له فيقال: إنَّه إنسانٌ عَجِلٌ عَجُلٌ عَجْلانُ عاجِلٌ عَجِيلٌ؛ فلا يؤاخذ بالنِّظام وما يقتضيه من نَسْىءٍ أحيانًا؛ فلديه وظيفةٌ ومدارسُ وأشغالٌ مدنيّةٌ لا آخر لها. إنَّه يكره الانتظار لا النّظام كما يُشِيع الحَسَدَة؛ ويكاد يضربه تيّار التّشنُّج العالي إنِ انتظر رُبْعَ دقيقةٍ؛ فمن حِقِّه ألَّا يُحَرَّج عليه، وألَّا يَنْتَظِرَ مع المنتظرين: تَأَنَّ وَلَا تَعْجَلْ بِلَوْمِكَ صَاحِبًا لَعَلَّ لَهُ عُذْرًا وَأَنْتَ تَلُومُ