مقالات رُفات عقل حمزة شحاتة التي لم تكتمل ..

تغريدات سبقت عصرها .

ألّف الأديب والشاعر الراحل “حمزة شحاتة”، كتابًا بعنوان: (رُفات عقل)، وأعاد نادي جدة الأدبي الثقافي طباعته تزامنًا مع انعقاد الدورة السادسة لملتقى قراء النص في عام 2006م، والذي نظمه النادي تكريمًا له، ولإعادة قراءة تراثه الأدبي والثقافي شرّق فيه النقاد وغربوا، لأن ذلك التراث غني ومُحفّز لظهور كثير من الدراسات البحثية والعلمية. وقتها لفت نظري هذا الكتاب الصغير في حجمه الكبير في محتواه، الذي أراه أحد أهم ما كتب شحاته بعد المجموعة الشعرية الكاملة، التي أعاد طباعتها أيضًا أدبي جدة. احتوى كتاب شحاتة (رفات عقل) على مقولات من بُنيّات أفكاره لم تتجاوز كلمات المقولة الواحدة في نسقها العمومي سطر أو سطرين، ليطالعنا بأساليب كتابية جديدة في صورة نثرية كونها السّمة الأبرز للكتاب، في ما جاء بعضها في صورة أبيات شعرية، وجميعها تحمل في موضوعاتها مجموعة من حكم عامّة وخاصّة، وهو ما يدفعني لأن أطلق على تلك المقولات التي دوّنها في أوقات مُتفرّقة؛ مقالات لم تكتمل كتابتها، أو أنها كانت أفكار لمقالات استطاع أن يختصرها فيما لا يتجاوز بعضها عشر كلمات، فلماذا هي مقالات..؟! وهل استطاع الكتاب ومن قام بجمعه أن يجمع كلّ رفات عقل حمزة شحاتة؟! في هذا النسق من الكتابات والنصوص تبرز السّمة الفلسفية لدى حمزة شحاته، حيث يُعدّ فيلسوفًا قبل أن يكون أديبًا، وما الأديب سواءً كان شاعرًا أو ناثرًا إلّا حاملًا لرؤية فلسفية تتقاطع فيها الذات مع الحياة، والزمان مع المكان، والوجود مع العدم. وقد أطلق الناقد الدكتور عادل الزهراني ذات مرة على كتاب (رفات عقل) بأنه خلاصة فلسفته بخلاف ما اعتبره الكاتب تركي الدخيل أنه شبه سيرة ذاتية، حيث شبهه الزهراني بالقهوة المرة السوداء، التي يكمن سرها في مرارتها وسوادها الحالك، أمّا حين تقترف إثم إضافة السكر عليها، فإنها تتمرد عليك، وتفقد طبيعتها. هكذا هو (رفات عقل)، وهكذا يجب أن نفهم تغريداته السوداء.. المرة! هذه المقولات التي دوّنها شحاتة تُشبه ما يكتبه اليوم كثير من (المغردين) عبر حساباتهم في منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” قبل أن يتحوّل إلى مُسمّى “إكس”..، فيا له من مُغرد سبق عصره وزمنه وكتّابه من أدباء ونقاد. هذا الكتاب الذي يدفعني البحث في تراث حمزة شحاته لأن أكتب عنه، وهو المصبوغ لدى كثير من النقاد والأدباء والمثقفين بصبغة الشاعر فحسب، بالرغم من تعدد إنتاجه الأدبي والفكري والفلسفي ما بين الشعر والنثر كما في رسائله إلى ابنته شيرين. هذا الكتاب نوع مختلف عمّا عُرف به، ونجد شبهًا منه عند بعض الفلاسفة الذين ألّفوا أو صنّفوا كُتبًا تشبه هذا الكتاب لحمزة شحاتة؛ أمثال: نيتشة، وكانت، وديكارت، وسبينوزا، وآخرين غيرهم. وهو كما يراه الناقد الدكتور عبدالله الغذامي لا يقلّ شأنًا عن كثير من فلاسفة عصره أو من سبقه. كما يعتبر الناقد الزهراني أنّ المدقق في مقولات شحاتة الفلسفية يجده يتقاطع في رؤيته للفن والأخلاق والحقيقة مع فلاسفة أمثال هيجل، كانت، وبيكون، كما أثبتت دراسته النقدية عن شحاتة بعنوان “جدلية الوجود والعدم عند حمزة شحاتة” بشيء من التفصيل تلاقيه مع نيتشه خصوصًا، ليس على مستوى الرؤية وحسب، بل على مستوى المنهج أيضًا. وتحضر هنا المُفارقة بين أسلوب حمزة شحاتة في هذا الكتاب “رفات عقل”، والكتاب الآخر الذي أعاد طباعته أدبي جدة تزامنًا مع ذلك الملتقى، بعنوان “الرجولة عماد الخلق الفاضل”، وقد كان عبارة عن محاضرته الشهيرة التي ألقاها في جمعية الإسعاف الخيري بمكة المكرمة في عام 1940م، واستمرت لما يُقارب خمس ساعات متواصلة، وكانت حدثًا أدبيًا لم يتكرر، وقيمة أدبية بما تضمنته المحاضرة من أبعاد فكرية ورؤى فلسفية ولغوية. إنّه حمزة شحاته القادر على الإبحار في الموضوع ليكون كتابًا، والقادر على اختصار وتلخيص سياق الموضوع المتشعب ليضمه في سطر واحد أو يصوغه في بضع كلمات قادرة على إيصال مراده وتوضيح مقصودة. وأختم بما انتخبته للقراء من رؤى فلسفية، وإبداعات أدبية جادة وساخرة أحيانًا ضمّها هذا الكتاب، يقول حمزة شحاتة: عندما يكون الطعام غير كاف؛ يسيطر الوقار على المائدة. حاجة الإنسان إلى الضمير تنتهي عندما يحصل على مقدار كاف من الذكاء. يبدو أن الزواج في المستقبل سيكون عبارة عن تناول حبة عند الرغبة في النوم.. ليس من الممكن فقط أن يعيش الناس بلا شعر.. بل من المستحب. ما الذي يمكن أن تضيفه المعرفة لإنسان لا يعمل!؟ لا يمكن أن تنجح أمّة إلاّ بأخلاقها وتقاليدها؛ النابعين من تأريخها وخصوصًا في هذا العصر. لا بد لأحد العاشقين أن يُفيق قبل الآخر.. من يسبق؟! ومتى؟! هذا هو ما لا يسعنا تحديده. لا يشغلك اختيار الرفيق؛ إذا كانت الرحلة إلى جهنم. لا بد أن تتقبل الهزيمة في هدوء وإذعان؛ عندما لا يبقى هناك من يفهمك. إذا كنت على وفاق تام مع ضميرك؛ فأنت إمّا قديس أو شيطان. إنّ الشعر لا يصور لنا الجمال والقبح، ولكن يصور لنا الإحساس بهما في غمرة انفعاله مدًّا وجزرًا.. أعذب أيام الإنسان تلك التي يكون فيها محدود المطالب.. ممارسة التهرب ممّا لا يستطاع مواجهته من أقدم وأثبت ممارسات الإنسان. ما دمت تأمل أرزًّا، وفيرًا؛ فأنت بخير. الزواج الأول غلطة، والثاني حماقة.. أمّا الثالث فإنه انتحار. الكلام وحده ليس لغة التعبير والتفاهم، ولكنه اللغة الشائعة لأنها الدارجة. إن الابتسام للحياة ليس دليل التفاؤل دائمًا؛ قد يكون دليل السخرية، ودليل الإذعان للواقع. عندما تكون صديقًا للشيطان؛ لابد أن تتحمل نصيبك من اللعنة. * كاتب وإعلامي