الاخلاق تتأثر بالأعراف الاجتماعية.

كثرت التعريفات حول قيمة الأخلاق، لكنها تُعتبر عمومًا سلوكًا عامًا يرتضيه الآخرون الذين يعيشون في بيئة واحدة ذات ثقافة خاصة وأعراف يتماشى الجميع معها. تختلف الأعراف والثقافات من بيئة إلى أخرى، وتتشكّل الأخلاق من خلال البيئة والعادات التي يتبناها المجتمع. وعندما يخالف أحد أفراد المجتمع هذه الأخلاق، يكون عرضةً للنقد والتأنيب، سواء من المجتمع أو من ضميره الداخلي، الذي يتأثر بدوره بالأعراف الثقافية والدينية السائدة في المجتمع الذي ينتمي إليه. مع أن الجميع يتفقون على بعض القيم الأخلاقية العامة، مثل الصدق في القول، والأمانة، والابتسامة، إلا أن تفاصيل هذه القيم قد تختلف في تطبيقاتها بحسب الثقافة. فعلى سبيل المثال، تُعتبر حشمة المرأة وكرامتها قيمة متفقًا عليها في مختلف الثقافات، ولكن تفاصيلها تتفاوت؛ فالمرأة المسلمة، وفقًا للسلوك الأخلاقي والديني في مجتمعها، تغطي شعرها بالحجاب، في حين أن كشف الرأس قد يكون أمرًا طبيعيًا في ثقافات أخرى. ويمكن القياس على هذا المثال في قضايا أخلاقية وثقافية ودينية أخرى، تشكلت من خلال الأعراف التي توارثها أفراد المجتمع الواحد. تأثير الفطرة والثقافة على الأخلاق الفيلسوف جان جاك روسو يرى أن الإنسان يولد بنزعة طبيعية نحو الخير، وأن لديه غريزة داخلية تدفعه للتصرف بطرق تعكس الاحترام والتعاطف. يعتقد روسو أن الفطرة الأساسية للإنسان خيّرة، وهذه النظرة تتفق مع الثقافة الدينية لدى المسلمين، كما جاء في القرآن الكريم في آيات تعبر عن الفطرة، مثل قوله تعالى: “فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها”، وأحيانًا يُشار إليها بالصبغة، كما في قوله تعالى: “صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة”. في المقابل، طرح الفيلسوف إيمانويل كانط فكرة أن الإنسان يمتلك ضميرًا يرشد أفعاله، وأن هذا الضمير هو جزء من الوعي الإنساني الذي يمكّنه من إدراك ما هو صواب أو خطأ بشكل فطري، دون تدخل خارجي. يُعبر كانط بذلك عن أن الأخلاق تعتمد على الحس الداخلي للفرد، وأن الضمير هو الحكم الأساسي الذي يحدد ما هو مقبول أو مرفوض. تأثير الأعراف في تشكيل الضمير لكن، لماذا يختلف الضمير وتأنيبه من شخص لآخر؟ يبدو أن تكوين الضمير يتأثر بشكل كبير بالتربية الأسرية والتعليم المستمر. ينشأ الضمير وفقًا لما يحتاجه المجتمع، ويتكون على أساس التربية والقيم التي تُزرع في الفرد منذ صغره. يتشكل الوعي الأخلاقي كنتيجة مباشرة لهذه التربية والثقافة، مما يجعل الفرد يتبنى معايير معينة بناءً على ما تم تعليمه في بيئته. تبدل الأعراف وتغير القيم الأخلاقية السؤال المطروح هنا: هل تتبدل الأعراف والتقاليد، وبالتالي تتغير بعض القيم الأخلاقية؟ بعد الانفتاح الكبير وانتشار وسائل الاتصال الحديثة، تبدّلت الكثير من العادات الاجتماعية، بما فيها القيم الأخلاقية. ومع ظهور الإنترنت وانتشار وسائل الإعلام، بدأت الثقافات بالتأثير على بعضها البعض بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى تحول بعض الأعراف والتقاليد. الأمثلة على هذا التغير متعددة، منها مفهوم الأسرة الذي تغير في بعض المجتمعات، حيث أصبحت الأدوار داخل الأسرة أكثر مرونة، وتم تعزيز مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. كذلك، ازدادت نسب الزواج المدني في بعض البلدان، حيث صار يُنظر إليه كخيار أكثر مرونة بعيدًا عن الأطر الدينية التقليدية. كما أن التغيرات الثقافية طالت عالم الأزياء، حيث أصبحت بعض الملابس التي كانت تُعتبر غير مقبولة في الماضي مقبولة في كثير من المجتمعات، سواء للفتيات أو الفتيان. هذا يشير إلى تحول في معايير الاحتشام والجمال، والتي تتأثر بشكل مباشر بالانفتاح الثقافي. تأثير التكنولوجيا على العادات الأخلاقية إدارة الأعمال والتواصل الاجتماعي شهدت بدورها تحولات جذرية بفضل التكنولوجيا الحديثة. إدارة بعض الأعمال عبر التطبيقات أصبحت جزءًا من الحياة اليومية، وكذلك التعليم عن بُعد الذي أتاح فرصًا جديدة للتعلم. في الماضي، كان التعليم يعتمد بشكل رئيسي على الحضور الشخصي، لكن الآن، أصبح من الممكن الوصول إلى المعرفة عبر الإنترنت بكل سهولة. حتى في مجال الزواج، كان الزواج المرتب من قبل العائلة هو السائد في العديد من الثقافات، لكن مع الانفتاح وتقدم وسائل الاتصال، أصبح الناس أكثر ميلاً لاختيار شركائهم بأنفسهم، متأثرين بالعلاقات المبنية على التفاهم المشترك. هذا التحول في مفاهيم الزواج يعكس تطورًا في الأعراف الاجتماعية، حيث انتقل التركيز من اعتبارات العائلة والمجتمع إلى حرية الاختيار الشخصية. ما اردت أن انتهي إليه أنه تنبع الأخلاق من المجتمع الذي يسود فيه ثقافة ما ودين يحثّ عليها، وتنتشر هذه الأخلاق بفضل الثقافة التي تؤثر في أفراده. تغيرات العصر الحديث أثرت بشكل كبير في العديد من الأعراف، وأسست لثقافات جديدة تتماشى مع ما يحدث من تغييرات في البيئة المحيطة. لابد أن نتقبل ونعترف بأن التغيرات قد غيرت بعض الأخلاقيات في المجتمعات وأثرت في كيفية نظرة الناس إلى بعضهم البعض، بل وحتى في مفهومهم للقيم الأخلاقية.