آل شيخ ناصر في محاضرته بنادي الخط ..

الفلسفة خاوية إن لم تُبنَ على العلم. .

نظم نادي الخط الثقافي بالقطيف محاضرة بعنوان (التفكير النقدي) ألقاها الدكتور هادي آل شيخ ناصر، وأدارها السيد وليد الهاشم. استهل مدير اللقاء في مقدمته بنبذة تعريفية مختصرة عن الدكتور هادي آل شيخ ناصر، والمناصب التي تقلدها، ثم طرح سؤالين: السؤال الأول، لماذا نطرح موضوع التفكير النقدي؟ إن ما يشهده العالم من انفتاح عبر وسائل التواصل، وبرامج الترجمة الفورية، مروراً بثورة الذكاء الاصطناعي، جعلتنا أمام شلال من الأفكار الصائبة والأخرى الخاطئة. والأمر لا يقف عند هذا الحد؛ بل حتى ما كنا نظن بصوابيته في سياق ما، قد يكون غير ذلك في سياق آخر. وقد اتسمت ثقافة العصر، فيما يعرف بما بعد الحداثة، بالتشظي، أو ما يوصف بأنه جعل الإنسان ذا بعد واحد (اختصار حياته في المادة). إضافة إلى أن الاختراعات المتنوعة جعلت العالم في حالة من اللا نخبوية، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ البشر؛ اذ أصبح الفرد العادي فاعلاً بإزاء المختصين. يقول الدكتور رشدي راشد “إن تعاطي المجتمع مع العلم يعتمد على ما يسمى بالمعارف قبل العلمية” أي أن هناك مادة غير ملموسة من الافكار والسلوك فوق المعلومات العلمية المتخصصة يتسم بها المجتمع، ومن أهمها التفكير النقدي المعاش في حياة الناس اليومية، وإيجاد المعاني التي يتبناها. السؤال الثاني، لماذا نستمع للدكتور هادي حول هذا الموضوع؟ فبالإضافة لكون الدكتور هادي طبيباً بارعاً، إلا أنه تميز بشخصية مرنة منفتحة على أفكار الآخرين، ولديه رغبة صادقة في فهم وجهات نظرهم؛ فقد أسس (مقهى سقراط) سيهات عام 2017 م، وهو عبارة عن جلسات حوارية عامة، لكافة أفراد المجتمع، والتي سرعان ما تم انتشار واستنساخ فكرة المقهى في مختلف مدن المملكة، كالرياض والخبر والأحساء وتبوك وأبها. المحاضرة ابتدأها الدكتور هادي بسؤال جوهري، وهو: هل التفكير النقدي حاجة أم رفاهية؟ ووضع صورة (كاركتير) تصف الواقع المؤلم بالذهاب إلى الإشاعات الطبية عبر وسائل التواصل، والتي تُعرّض حياتهم للخطر، بينما تصف الأطباء والمستشفيات بعدم المصداقية، وتسلّط الضوء على الأثر المتفاقم لمثل هذه الأفكار، في ظل غياب التفكير النقدي الذي يمثل الحماية من مثل تلك الإشاعات. واستعرض مجموعة من تلك النتائج لتلقي المجتمع للإشاعات: - موقف البعض من لقاح كوفيد 19 - موقف الناس من اللقاح الثلاثي الفيروسي، والذي أتى، مع الأسف، بسبب بحث قدمه الطبيب (أندرو ويك فيلد)، الذي ربط فيه اللقاح بالتوحد، مما أدى إلى صدمة في الوسط الطبي، وقد أجريتْ بعده عدة أبحاث لم تتمكن من إيجاد رابط بينهما. وقد قام أحد الصحفيين بتتبع الدراسة التي قدمها (فيلد)، مثبتا أنها مغلوطة، وأجريتْ أبحاث على عدد من المرضى يعانون مسبقاً من أعراض التوحد، ولكن المثير، ما كشفه الصحفي، أن الدكتور (فيلد) كان مستثمراً في لقاح آخر دون الإفصاح عن انتفاعه بنتائج البحث، وذلك منافي للأمانة العلمية؛ مما أدى إلى محاكمته، وسحب رخصته الطبية. ومع ذلك لاتزال الإشاعة تتداول بين الناس حول اللقاح. - ما كان يشاع حول خطورة الكهرباء في بداية انتشارها، وأنها تتسبب في قتل الناس والحيوانات. - المعتقدون بأن الأرض مسطحة، أو بكذبة جاذبية الأرض. - من يرون أن الصعود إلى سطح القمر والهبوط عليه، كان فبركة سينمائية. - المهووسون بالأغذية العضوية باهظة الثمن. - المهتمون بالاحتباس الحراري، دون معرفة كافية باختلاف الأوساط الأكاديمية عما يروج له في الإعلام. وأضاف الدكتور هادي، أن الغريب في الأمر، كون تلك الحزمة من الإشاعات والأفكار المغلوطة تأتي مجتمعة، وكأن من يؤمن بواحدة منها، تجده مؤمناً بأغلبها، مما يجعلنا نقتنع بحاجتنا للتفكير النقدي. مقهى سقراط نموذجاً: كانت بداية الدكتور هادي مع المقهى، عندما كان في الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته الماجستير في الصحة العامة، فذات يوم وجد إعلاناً عن مقهى سقراط يقام في أحد دور الأنشطة المخصصة لكبار السن، ومع أول لقاء وجد نفسه متعلقاً بالجلسات والفلسفة، رغم عدم تخصصه فيها، فواظب على حضور تلك الجلسات. وبعد عودته للوطن، قام بعمل جلسات دعا لها عدداً من الأصدقاء، وتوالى الحضور لتلك اللقاءات التي تطور التفكير النقدي، وتحضّر الفلسفة لحياة الناس عبر جلسات دون تحضير، يتم طرح عدة أسئلة، ويقوم الحضور بالتصويت للسؤال الذي يريدون مناقشته، سواء كان مرتبطاً بحدث آني، كمهرجان سينمائي أو مونديال كأس العالم، أو سؤال عميق وأصيل، مثل ما هو تعريف الصحة؟ هل هي إطالة العمر أو تخفيف الألم؟ ونحن كأطباء، رغم أن منظمة الصحة العالمية لديها تعريف للصحة، لا نمتلك مفهوماً موحداً للصحة!، أو سؤال كيف نثبت وجود خالق للكون؟ أو لماذا نكرم الموتى؟. وأوضح الدكتور أن ميزة مقهى سقراط في تنوع الحضور، ومبدأ المقهى نابع من أن الحكمة تبدأ من التساؤل، وأن المقهى ليس محاضرة أو بحثاً علمياً متخصصاً، ولكنه جلسة للجميع؟ مبادئ المنهج السقراطي في مقهى سقراط: - السؤال والتحقيق. - حب الاستطلاع. - عقولنا مجتمعة أفضل من عقولنا منفردة. - المقهى ليس مناظرة بها طرف فائز وطرف خاسر، وإن نجاح الجلسات (قد يكون) في عدم الاتفاق على تصور محدد. أهم النقاط التي يرسخها المقهى: 1 – الإنصات بشكل جاد للآخرين، والتأكد من فهم أفكارهم. 2- التفكير الناقد. 3- تقبل وجهات النظر المختلفة والتسامح؛ حيث يكتشف الفرد بإنه لم يكن متسامحاً بالقدر الكافي، بعدما كان يظن بأنه كذلك. وإننا نعرف أن النقاش كان ناجحاً، عندما يتسبب في إثارة مزيد من الأسئلة، دون الوصول لاتفاق. واستشهد على ذلك بمجموعة من المقولات لبعض العلماء والفلاسفة. * الفلسفة خاوية إن لم تُبْنَ على العلم، العلم يكتشف والفلسفة تفسر. (إلبرت إينشتاين). * العلوم هي النوافذ التي ترى منها الفلسفة العالم. (ويل ديورانت) * من علامات العقل المتعلم مناقشة الفكرة دون التصديق بها. (أرسطو) ترجمة كتاب مقهى سقراط بعد تأسيس مقهى سقراط في المملكة، تواصل الدكتور هادي مع مؤسس المقهى حول العالم، (الدكتور كرستوفر فليبس)، والذي قام بتسجيل المقهى في موقعه، ليتابع المهتمون حول العالم ذلك، ثم استضاف الدكتور هادي على بودكاست، ليناقش معه تجربة المقهى في المملكة العربية السعودية، وطرح عليه في نهاية اللقاء أن يقوم بترجمة كتاب مقهى سقراط إلى اللغة العربية، وقد قام بترجمة أول فصول الكتاب، وعرضها على دار النشر التي أعجبت بالفكرة، وتم اعتماد ترجمة الكتاب الذي نال إقبالاً واسعاً في معارض الكتاب داخل المملكة و خارجها، و يتكون الكتاب من خمسة فصول 1- ما هو السؤال؟ 2 – أين أنا؟ 3 – إلى من نحتاج؟ 4 – ماذا يعني كل ذلك؟ 5 – لماذا نسأل؟ وقرأ بعد ذلك مقتطفاً من الكتاب، ثم اختتم المحاضرة بعرض صور تذكارية لجلسات مقهى سقراط في عدة مدن من مدن المملكة، كذلك، زيارة مؤسس المقهى حول العالم كرستوفر فليبس للمملكة. في الختام قدم رئيس النادي الشكر الجزيل للمحاضر ومدير اللقاء والحضور، كما قام كل من جلال أحمد المدن وعبدالسلام الخالدي بتقديم درع المنتدى وشهادة التقدير للمحاضر ومدير اللقاء.